وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
الْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتَةَ
حجّه عليه السلام
وكان الإمام أبو جعفر عليه السلام كثير الحجّ، وقد روى الحسن بن علي الكوفي بعض أعمال حجّه قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام في سنة خمس عشرة خ وعشرين ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثمّ مسح وجهه بيده، ثمّ أتى المقام، فصلّى خلفه ركعتين ثمّ خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم، فالتزم البيت، وكشف الثوب عن بطنه، ثمّ وقف عليه طويلاً يدعو، ثمّ خرج من باب الحناطين وتوجّه، قال: فرأيته في سنة 219 هـ ودّع البيت ليلاً يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كلّ شوط فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني وقوف الحجر المستطيل وكشف الثوب عن بطنه ثمّ أتى الحجر فقبّله ومسحه وخرج إلى المقام فصلّى خلفه ثمّ مضى ولم يعد إلى البيت، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية.
وروى عليّ بن مهزيار بعض الخصوصيات في حجّ الإمام عليه السلام قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء، وصلّى خلف المقام ثمّ دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر وشرب منه وصبّ على بعض جسده، ثمّ اطلع في زمزم مرّتين، وأخبرني بعض أصحابنا انّه رآه بعد ذلك في سنة فعل مثل ذلك...
وكان هذا التدقيق من الرواة في نقل هذه الخصوصيّات باعتبار أنّ فعل الإمام عليه السلام من السنة التي يتعبّد بها عند الشيعة.
من أدعيته عليه السلام
للإمام الجواد أدعيّة كثيرة تمثّل مدى انقطاعه إلى الله تعالى، فمن أدعيته هذا الدعاء: "يا من لا شبيه له، ولا مثال، أنت الله لا إله إلاّ أنت، ولا خالق إلاّ أنت تفني المخلوقين، وتبقى أنت، حلمت عمّن عصاك، وفي المغفرة رضاك..".
وكتب إليه محمد بن الفضيل يسأله أن يعلمه دعاءً فكتب إليه هذا الدعاء الشريف تقول: إذا أصبحت وأمسيت:
" الله الله ربّي، الرحمن الرحيم، لا أشرك به شيئاً وإن زدت على ذلك فهو خير، ثمّ تدعو بذلك في حاجتك، فهو لكلّ شيء بإذن الله تعالى يفعل الله ما يشاء".
وتمثّل أدعية الأئمة الطاهرين جوهر الإخلاص والطاعة لله فقد اتّصلوا بالله تعالى، وانطبع حبّه في مشاعرهم وعواطفهم، فهاموا بمناجاته والدعاء له.
كرمه عليه السلام
كان الإمام أبو جعفر عليه السلام من أندى الناس كفّاً وأكثرهم سخاءً، وقد لُقِّب بالجود لكثرة كرمه ومعروفه وإحسانه إلى الناس وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من كرمه كان منها ما يلي:
1- روى المؤرّخون أنّ أحمد بن حديد قد خرج مع جماعة من أصحابه إلى الحجّ، فهجم عليهم جماعة من السرّاق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع، ولما انتهوا إلى يثرب انطلق أحمد إلى الإمام محمد الجواد وأخبره بما جرى عليهم فأمر عليه السلام له بكسوة وأعطاء دنانير ليفرقها على جماعته، وكانت بقدر ما نهب منهم. لقد أنقذهم الإمام من المحنة وردّ لهم ما سلب منهم.
2- روى العتبي عن بعض العلويّين إنّه كان يهوى جارية في يثرب، وكانت يده قاصرة عن ثمنها فشكا ذلك إلى الإمام الجواد عليه السلام فسأله عن صاحبها فأخبره عنه، ولمّا كان بعد أيام سأل العلوي عن الجارية فقيل له: قد بيعت وسأل عن المشتري لها، فقالوا له: لا ندري، وكان الإمام الجواد قد اشتراها سرّاً ففزع العلوي، نحو الإمام، وقد رفع صوته.
بيعت فلانة.
فقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً:
هل تدري من اشتراها.
لا.
وانطق معه الإمام إلى الضيعة التي فيها الجارية، فانتهى إلى البيت الذي فيه الجارية، فأمره عليه السلام بالدخول إلى الدار فأبى العلوي لأنّها دار الغير ولم يعلم أنّ الإمام قد اشتراها، وأصرّ عليه الإمام بالدخول، ولم يلتفت إلى أنّها ملك الإمام، ثمّ إنّه دخل الدار مع الإمام فلمّا رأى الجارية التي يهواها، قال عليه السلام له:
أتعرفها؟
نعم.
هي لك، والقصر والضيعة، والغلة وجميع ما في القصر، فأقم مع الجارية.
وملأ الفرح قلب العلوي وحار في شكر الإمام.
هذه بعض البوادر التي ذكرها المؤرّخون من كرمه وبرّه بالفقراء والمستضعفين ويقول الرواة: إن كرم الإمام ومعروفه قد شمل حتى الحيوانات فقد روى محمد بن الوليد الكرماني قال: أكلت بين يدي أبي جعفر الثاني عليه السلام حتى إذا فرغت ورفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من فتات الطعام فقال عليه السلام له: ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فتتبعه والقطه لقد أمره عليه السلام بترك الطعام الذي في الصحراء ليتناوله الطير وسائر الحيوانات التي ليس عندها طعام.
* راجع: حياة الإمام محمد الجواد عليه السلام دراسة وتحليل، الشيخ باقر شريف القرشي.
المعارف الاسلامية