اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
قد يقول قائل هل الدين طبّقه الذين مثّلوا حكم الإسلام بالشكل الصحيح؟ المصيبة أنك
لا تستطيع أن تتهرب بل يجب أن تتكلّم بالواقع
وتقول:
ذلك صحيح إذ أن الذين تناولوا بنود رسالة السماء ما حملوا معها الهدى, إننا لسنا
أناساً ذوي رغبة أو طفولة عقليّة تجعلنا نتمسّك بعلي بن أبي طالب" ع " ونبتعد عن معاوية,
ليس هذا اعتباطاً ولا صدفة, بل نرى أنّ هذا الرجل قرآن مجسّد, ونرى الجانب الثاني
شكلاً آخر, وإلاّ ما هو الفرق بينهما؟ فهذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله
وذاك أيضاً من أسرته, وهذا عاش في مكّة وذاك أيضاً, لكن يوجد فرق كبير بين هذا
الأول وبين الجانب الثاني.
نضرب مثالاً لنرى الأسلوب الذي وصل به هذا الرجل إلى الحكم حتّى نعرف أين الهدى
وأين عدمها؟
لقد جاء إلى الحكم عن طريق قميص عثمان, وبعنوان الإنسان الذي يطالب بدم الخليفة
وكأنّ الامام علي بن أبي طالب " ع" الذي بعث أولاده ليدافعوا عنه هو المسؤول, وفعلاً حشّدوا
الشعراء والأقلام كلّها ودفعوها لتكرّس مسؤوليّة بني هاشم عن الواقعة, والحال أنّهم
يعرفون أنّ هذا كذب تماماً لأن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عنده حرص
كبير على أن لا يُقتل هذا الرجل, لأنه يعلم أن قتله سوف يخلق مشكلة للمسلمين.
لقد هيّؤوا مجموعة من الشعراء ـ وكان الشاعر آنذاك كالصحيفة السياسيّة ـ فتسمع من
طرف يصيح أحدهم:
بنو هاشم ردّوا تراث ابن إختكم
بنو هاشم كيف الهوادة بيننا ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه
ودرع ابن أروى عندكم ونجائبه
هم قتلوه كي يكونوا مكانه، كما غدرت يوماً بكسرى...
وآخر يصيح:
لتسمعنّ وشيكاً في ديارهم الله أكبر يا ثارات عثمانا
وهكذا شاعر ثالث ورابع وقلم خامس ومؤرّخ سادس, لقد جاء عن هذا الطريق وهو يعرف أنّ
هذا الطريق مفتعل غير صحيح.
وبعد ما تسنم غارب الكرسي بدأ بتصفية المعارضين, وكل من يخالفه في الرأي كعبد
الرحمن بن خالد بن الوليد الذي كان ذا شعبيّة في الشام أرسل إلى طبيبه (ابن إثال
المسيحي) وقال: دبّر قضّيته فصنع له شربة ووضع فيها السم فتناولها, ومسألة السم
ليست جديدة بل قديمة وتاريخية ومتوارثة, وفي مقابل هذا أعطى الطبيب ولاية حمص
وأعفاه من الخراج طيلة ولايته.
وجاء إلى أناس قتلهم ليس بالسم بصراحة, فمثلاً وضع السم إلى مالك الأشتر في طريقه
(إلى مصر) وجاء إلى جماعة وصفّاها تصفية جسديّة صريحة مثل حجر بن عدي وابنه وجماعته
الأحد عشر, هيّج عليهم جماعة بأن هؤلاء شقّوا عصا المسلمين وأخرجوهم مكبّلين قبيل
الغروب إلى مرج عذراء, وقتلوهم هناك بعد أن عرضت عليهم البراءة من أمير المؤمنين
(عليه السلام)، في تلك السنة جاء معاوية حاجاً, ولا يستطيع طبعاً أن يجتاز ما لم
يمر على أم المؤمنين عائشة, مرّ عليها فقالت له: سمعت من رسول الله صلى الله عليه
وآله يقول: سيقتل بمرج عذراء قوم يغضب الله لقتلهم, أين عزب عنك حلمك عن حجر, هذا
من رهبان الليّل؟
تباكى معاوية وقال: ماذا أفعل؟ لم أجد عاقلاً ينصحني, ولست بحليم بعد قتل حجر! انه
يهزأ في داخله طبعاً, واعتذر وأظهر الندم.
وأكثر من هذا عمد إلى أساليب في الجدل, فقد كان يرقى على منبر النبي صلى الله عليه
وآله في المدينة, ثم جلب المنبر إلى الشام, وأحدث ذلك ضجّة وهدفه هو أن يقول الناس
بأنه يملك تراث رسول الله.
وهذا أشبه شيء بقضيّة عبد الله بن عمر حينما دخل عليه أحد يستفتيه عن دم البعوضة:
هل يستحيل ويصبح من جسمها فيعتبر طاهراً أم لا يزال دم إنسان ونجساً؟
إلتفت إليه عبد الله بن عمر وقال: أنت من أين؟ قال: من الكوفة, قال: أنتم ذبحتم
الحسين (عليه السلام) ولم تستشكلوا, وجئت تسألني عن دم البعوضة؟ تفضّل أخرج،
فمعاوية من هذا النوع, يأتي وينقل منبر النبي من المدينة إلى الشام, وهو قد حطّم
أضلاع النبي صلى الله عليه وآله وذبح أبناءه على المنبر, ولمّا حدثت الضجّة قال:
أرجعوه, وأعلن: أتينا به للترميم لأنّ الأرضة قد أصابته!
جاء إلى القبائل وتزوج من القبيلة اليمانيّة بني كلب مرّتين ليوجد التناحر بينها
وبين قبيلة قيس, ويبقى العرب يضرب بعضهم بعضاً، وما ترك وسيلة ملتوية إلاّ
واستعملها, بينما نلاحظ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:
«حتّى لقد وُطيء الحسنان, وشُقّ عطفاي, مجتمعين حولي كربيضة الغنم».
كلّما يلاحقونه يقول لهم: «إعزبوا عنّي, إعصبوها براس غيري» إلى أن قال: «أما
والله, لولا حضور الحاضر, وقيام الحجّة بوجود الناصر, وما أخذ الله على العلماء أن
لا يقارّوا على كظّة ظالم وسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها, ولسقيت آخرها بكأس
أوّلها».
يوجد فرق كبير بين المنهجين، فهذا منهج الهدى الذي ليس فيه إلتواء بل فيه الوضوح,
فالآية الكريمة تقول لهم: إن الله عزّ وجل أرسل رسوله بالهدى, يعني بمنهج واضح لا
يعتمد على القسر, وبالفعل كان النبي صلى الله عليه وآله يعرض الإسلام, فإذا اعتنقوه
كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، لكن إذا امتنعوا عن قبوله يقاتلهم لأنّ
الإسلام رسالة السماء, والنبي لم يأت ليملي منهجاً من عنده, بل السماء أرادت تطبيقه
وهو يقول: أنا واحد منكم وليس عندي امتيازات, فلا يمكن أن تتّهموني بانّي سوف آخذ
من وراء الحكم شيئاً, أو أصل إلى لذّة أو منصب, تقول زوجته مرّ علينا أربعين يوماً
وليس عندنا طعام إلا الأسودان: التمر والماء.