بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
وقد أفصح الله تبارك وتعالى عن مرحلة كليّة شاملة من مراحل سير الإنسان وارتحاله وسلوكه إليه تعالى، وأغمض مرحلة كليّة سابقة
أما المرحلة الأولى فتبدأ منذ انعقاد نطفة الإنسان في قرارٍ مكين. ومن هناك وهو في سير متواصلٍ وسلوكٍ متطوّرٍ من عالمٍ إلى عالمٍ ومن نشأةٍ إلى نشأة. وقد صرّح القرآن الكريم بهذه المرحلة وأشار إليها بالتفصيل حيث قال سبحانه وتعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم إنّكم بعد ذلك لميتون * ثم إنّكم يوم القيامة تبعثون"
لقد قسمت الآيات الشريفة المذكورة هذه المرحلة من سير الإنسان الوجودي إلى ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: المرحلة الطبيعية، وهي التي يتطوّر فيها البدن، ويشتدّ جوهره، ويتكامل حتى يصل إلى كماله بنشوء النفس وتجرّدها في ذاتها عن المادة وأحكامها من الزمان والمكان. والآيات 12 و13 و14 من سورة "المؤمنون" تشير إلى هذه المرحلة.
- القسم الثاني: المرحلة النفسية، وهي التي تبدأ النفس فيها سيرها بعد اكتمال جوهر البدن وتشرع في تكاملها وتطورها من طورٍ إلى طورٍ في عالم الملكوت، حتى تبلغ غايتها وتصير جوهراً مستقلاً قائماً في نفسه قابلاً ومتهيئاً جداً للانفصال عن البدن إلى الآخرة والوطن الأصلي. والآية "ثمّ إنكم بعد ذلك لميتون" تشير إلى هذه المرحلة.
- القسم الثالث: المرحلة الطبيعية العقلية و"الروحية"، و تكون فيها النفس جوهراً مستقلاً قائماً في نفسه وذاتاً نوريةً ووجوداً أخروياً بقائياً مجرّداً عن المادة وعلائقها، وبه ينتهي السير في جميع هذه المراحل ويصل الإنسان إلى غايته القصوى وينال حظّه من سعيه وسلوكه، فيكون ذخره إلى الأبد ما شاء الله. والآية "ثم إنكم يوم القيامة تبعثون" تشير إلى هذه المرحلة.
وتفصيلها موجود في آياتٍ أخرى تكشف عن طبيعة وجود الجنة والنار وأهلهما وثواب الأولى وعقاب الأخرى.
ثم إنّ هذه الحركة التي ينتقل بها الإنسان من طورٍ إلى طورٍ ومن نشأةٍ إلى نشأة، هي حركة طبيعية ذاتية من لدن تكوّنه من تراب ومبدأ وجوده في الدنيا إلى آخر بعثه ونشره ولقاء ربّه ومعاده. وهو ما يؤكده قوله تعالى: "يا أيها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه" . فإنّ معنى "الكدح" في اللغة السعي والعناء، وهويتضمن معنى السير. ومفاد "ملاقيه" أنّ غاية هذا السير والسعي هو الله تعالى من حيث ربوبيته. فالسائر إلى الله تعالى هو الإنسان بما هو عبد والمُسار إليه هو الله تعالى بما هو ربّ. فالسير يتضمّن معنى العبودية، والعبودية تتضمن موقفاً ومسؤوليةً من الربوبية، وهو المعاد، حيث الحساب على الأعمال، وحيث الجزاء على هذا الحساب. ويشير إليه أو يؤكده قوله تعالى بعد ذلك مباشرة: "فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حساباً يسيراً * وينقلب إلى أهله مسروراً * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً * ويصلى سعيراً"
فالإنسان الأخروي غير الإنسان الدنيوي، لا من حيث الشخص كأن يصير زيدٌ في الآخرة عمرواً، بل من حيث طبيعة الوجود ودرجته. فالوجود في الدنيا طبيعي مادي ضعيف متكامل، وفي الآخرة روحاني مجرد قوي كامل. وإليه يشير قوله تعالى: "ثم أنشأناه خلقاً آخر". فإن هذا "الخلق الآخر" من نشأة أخرى باقية ببقاء الله وهو الغرض من النشأة الأولى والخلق الأول. وإنما كانت المراتب السابقة على هذا "الخلق الآخر" محلاً ومنطلقاً له. والبدن ما هو إلا آلة لتحصيل كمالاته. فإذا ما حصل وقضى وطره من حياته الدنيا، استعد للارتحال عن النشأة الأولى لاستغنائه عن البدن. وبشكلٍ طبيعي جداً يتم هذا الارتحال الذي يُعبّر عنه بالموت. ولأجل أنه طبيعي فإنّه حقّ كما أنّه كذلك باعتبارات أخرى. وهذا يدلّ على أنّ العلاقة متعاكسة والتناسب عكسي بين النفس والبدن. إذ عندما كان البدن قوياً شديد النشأة كانت النفس في بداياتها ضعيفة. ثمّ تشتد النفس وتقوى على حساب البدن الذي يضعف وتتلاشى قواه، وكلّما ازدادت حياة النفس بكمالاتها كلّما ازداد البدن موتاً، سواء كانت كمالات النفس منشأ سعاداتٍ أو منشأ شقاوات.
نسـألكم الدعاء /:
دمتم بحب ورعاية الزهراء
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
وقد أفصح الله تبارك وتعالى عن مرحلة كليّة شاملة من مراحل سير الإنسان وارتحاله وسلوكه إليه تعالى، وأغمض مرحلة كليّة سابقة
أما المرحلة الأولى فتبدأ منذ انعقاد نطفة الإنسان في قرارٍ مكين. ومن هناك وهو في سير متواصلٍ وسلوكٍ متطوّرٍ من عالمٍ إلى عالمٍ ومن نشأةٍ إلى نشأة. وقد صرّح القرآن الكريم بهذه المرحلة وأشار إليها بالتفصيل حيث قال سبحانه وتعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم إنّكم بعد ذلك لميتون * ثم إنّكم يوم القيامة تبعثون"
لقد قسمت الآيات الشريفة المذكورة هذه المرحلة من سير الإنسان الوجودي إلى ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: المرحلة الطبيعية، وهي التي يتطوّر فيها البدن، ويشتدّ جوهره، ويتكامل حتى يصل إلى كماله بنشوء النفس وتجرّدها في ذاتها عن المادة وأحكامها من الزمان والمكان. والآيات 12 و13 و14 من سورة "المؤمنون" تشير إلى هذه المرحلة.
- القسم الثاني: المرحلة النفسية، وهي التي تبدأ النفس فيها سيرها بعد اكتمال جوهر البدن وتشرع في تكاملها وتطورها من طورٍ إلى طورٍ في عالم الملكوت، حتى تبلغ غايتها وتصير جوهراً مستقلاً قائماً في نفسه قابلاً ومتهيئاً جداً للانفصال عن البدن إلى الآخرة والوطن الأصلي. والآية "ثمّ إنكم بعد ذلك لميتون" تشير إلى هذه المرحلة.
- القسم الثالث: المرحلة الطبيعية العقلية و"الروحية"، و تكون فيها النفس جوهراً مستقلاً قائماً في نفسه وذاتاً نوريةً ووجوداً أخروياً بقائياً مجرّداً عن المادة وعلائقها، وبه ينتهي السير في جميع هذه المراحل ويصل الإنسان إلى غايته القصوى وينال حظّه من سعيه وسلوكه، فيكون ذخره إلى الأبد ما شاء الله. والآية "ثم إنكم يوم القيامة تبعثون" تشير إلى هذه المرحلة.
وتفصيلها موجود في آياتٍ أخرى تكشف عن طبيعة وجود الجنة والنار وأهلهما وثواب الأولى وعقاب الأخرى.
ثم إنّ هذه الحركة التي ينتقل بها الإنسان من طورٍ إلى طورٍ ومن نشأةٍ إلى نشأة، هي حركة طبيعية ذاتية من لدن تكوّنه من تراب ومبدأ وجوده في الدنيا إلى آخر بعثه ونشره ولقاء ربّه ومعاده. وهو ما يؤكده قوله تعالى: "يا أيها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه" . فإنّ معنى "الكدح" في اللغة السعي والعناء، وهويتضمن معنى السير. ومفاد "ملاقيه" أنّ غاية هذا السير والسعي هو الله تعالى من حيث ربوبيته. فالسائر إلى الله تعالى هو الإنسان بما هو عبد والمُسار إليه هو الله تعالى بما هو ربّ. فالسير يتضمّن معنى العبودية، والعبودية تتضمن موقفاً ومسؤوليةً من الربوبية، وهو المعاد، حيث الحساب على الأعمال، وحيث الجزاء على هذا الحساب. ويشير إليه أو يؤكده قوله تعالى بعد ذلك مباشرة: "فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حساباً يسيراً * وينقلب إلى أهله مسروراً * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً * ويصلى سعيراً"
فالإنسان الأخروي غير الإنسان الدنيوي، لا من حيث الشخص كأن يصير زيدٌ في الآخرة عمرواً، بل من حيث طبيعة الوجود ودرجته. فالوجود في الدنيا طبيعي مادي ضعيف متكامل، وفي الآخرة روحاني مجرد قوي كامل. وإليه يشير قوله تعالى: "ثم أنشأناه خلقاً آخر". فإن هذا "الخلق الآخر" من نشأة أخرى باقية ببقاء الله وهو الغرض من النشأة الأولى والخلق الأول. وإنما كانت المراتب السابقة على هذا "الخلق الآخر" محلاً ومنطلقاً له. والبدن ما هو إلا آلة لتحصيل كمالاته. فإذا ما حصل وقضى وطره من حياته الدنيا، استعد للارتحال عن النشأة الأولى لاستغنائه عن البدن. وبشكلٍ طبيعي جداً يتم هذا الارتحال الذي يُعبّر عنه بالموت. ولأجل أنه طبيعي فإنّه حقّ كما أنّه كذلك باعتبارات أخرى. وهذا يدلّ على أنّ العلاقة متعاكسة والتناسب عكسي بين النفس والبدن. إذ عندما كان البدن قوياً شديد النشأة كانت النفس في بداياتها ضعيفة. ثمّ تشتد النفس وتقوى على حساب البدن الذي يضعف وتتلاشى قواه، وكلّما ازدادت حياة النفس بكمالاتها كلّما ازداد البدن موتاً، سواء كانت كمالات النفس منشأ سعاداتٍ أو منشأ شقاوات.
نسـألكم الدعاء /:
دمتم بحب ورعاية الزهراء
