وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
الإمام الحسين (عليه السلام).. عِبرة وعَبرة
الإمام الحسين (عليه السلام) أعظم من أن يُعرّف؛ بل أصبح الفداء والتضحية يُعرفان به، قد منحه الله أعنّة الحكمة وفصل الخطاب، فكانت تتدفّق على لسانه سيول من المواعظ والآداب والأمثال السائرة، أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيراً فقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾(1) كيف لا! وهو ريحانه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وولده، هو ابن عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وإمام الغر المحجّلين ويعسوب الدين وخليفة رسول الله من قبل رب العالمين، وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وأخو ريحانة رسول الله الإمام الحسن المجتبى، هم الطاهرون المطهرون وسفينة النجاة، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى.
ومن حكم الإمام الحسين (عليه السلام) القصار:
1ـ عنه (عليه السلام) انه قال: «إياك و ما تعتذر منه، فان المؤمن لا يسيء ولا يعتذر، والمنافق كل يوم يُسيء ويعتذر»(2).
2ـ وعنه (عليه السلام): «العاقل لا يُحدّث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف مَنعَه، ولا يثق بمن يخاف غَدره، ولا يرجو من لا يُوثق برجائه»(3).
3ـ وعنه (عليه السلام) أيضاً: «خَمسٌ من لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مُستمتع؛ العقل، والدين، والأدب، والحياء، وحُسن الخُلُق»(4)
4ـ وعنه (عليه السلام) انه قال: «البخيل من بخل بالسلام»(5)
5ـ وروي عنه أيضاً أنه قال (عليه السلام): «موتٌ في عزّ خيرٌ من حياةٍ في ذُلٍّ»(6) .
6ـ وعنه (عليه السلام) انه قال لرجل اغتاب عنده رجلاً: «يا هذا، كُفّ عن الغيبة فإنّها إدام كلاب النار»(7) .
ولمّا هلك معاوية، دعا الوليد حاكم المدينة الإمام الحسين (عليه السلام) ليأخذ منه البيعة ليزيد، فامتنع الإمام الحسين (عليه السلام) من إجابته وقال له: «أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومُختلف الملائكة، بنا فتح الله و بنا يختم، ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة، مُعلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»(8).
كما امتنع جميع أفراد الأسرة النبوية عن بيعة يزيد، لفسقه وفجوره وجوره على المسلمين ـ آنذاك ـ.
ففجّر الإمام الحسين (عليه السلام) ثورته الكبرى على يزيد لينهى عن المنكر ويعيد للمسلمين كرامتهم وينقذهم من جور الأمويين وظلمهم، وقد أعلن الإمام (عليه السلام) عن أهدافه النبيلة بقوله: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدّي وأبي...»(9)
فانطلق الإمام الحسين (عليه السلام) مُصلحاً في أمة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحقّق العدل بين الناس، ويزيل السلبيات الرهيبة التي أقامها الحكم الأموي على مسرح الحياة الإسلامية.
ولمّا عزم الإمام (عليه السلام) على مغادرة الحجاز والتوجّه إلى العراق أمر بجمع الناس، فاجتمع خلق كثير في بيت الله الحرام، فألقى عليهم خطابه التاريخي الخالد وهذا نصّه(10) :
«الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على رسوله وسلّم، خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف. وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تُقطّعها عَسَلانُ الفَلَوات بين النواويس وكربلاء، فيملأنّ مني أكراشاً جُوَفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم. رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويُوفّينا أجر الصابرين، لكن تشُذّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لُحمَتُه، وهي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تَقَرُّ بهم عينُه ويُنجَزُ بهم وَعدُه، ألا ومَن كان باذلاً فينا مُهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإنّني راحلٌ مُصبحاً إن شاء الله تعالى».
نعى الإمام عليه السلام في هذا الخطاب نفسه، وأبى إلا أن يروي شجرة الإسلام بدمه الطاهر، بعد أن أصبح الإسلام في معرض كيد بني أمية وحقدهم، وكأنهم يريدون أن يقتصّوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن علي (عليه السلام) في ثأر يطلبوه زمن الجاهلية عندما كسر الإسلام شوكتهم وقتل رؤوس كفرهم.
فعزم الإمام الحسين عليه السلام على الشهادة ومضى في دربه نحو العراق حتى انتهى إلى كربلاء فحطّ بها رَحله لينال على ثراها الطيب الشهادة؛ ليبقى دين جدّه رسول الله لا تمسّه أيدي الفسق والفجور.
ـــــــــــــ
1 . سورة الأحزاب: الآية 33.2 . تحف العقول: 246.3 . ريحانه الرسول: 55.4 . ريحانه الرسول: 55.5 . ريحانه الرسول: 55.6 . تحف العقول: 246.7 . تحف العقول: 246.8 . تحف العقول: 245.9 . نفحات من سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) للشيخ باقر شريف القرشي: ص 160.10 . المصدر نفسه: 161..درار السيدة رقية