اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقتطفات من كتاب القلبُ السَّليم للسَّيّد عَبْد الحُسَيْن دَسْتغيْب
ذنب القلب:
لا يخفى على أي عاقل أن الإنسان له بدن ونفس, ظاهر وباطن, أعماله الحسنة والقبيحة أيضاً على قسمين:
الأول: أعماله التي يؤديها بواسطة البدن كالصلاة والصم والحج والإنفاق, ومثل شرب الخمر ولعب القمار والزنا.
والثاني: ما يكسبه الإنسان بقلبه ويعطيه مكاناً فيه كالإيمان والحب والخوف والرجاء, والكفر والنفاق والبغض والكبر والرياء.
وكما أن الأعمال السيئة التي تؤدى بواسطة البدن والتي هي مورد لنهي الله يجب على كل فرد معرفتها والإجتناب عنها, فكذلك الأشياء التي تكسب بالقلب وهي مورد نهي الخالق عز وجل أيضاً يجب معرفتها والإجتناب عنها. ويجب أن يسعى الإنسان كي لا يقبل قلبه بها.
=======================
القرآن والذنوب القلبية:
لقد حذر الله المسلمين من الذنوب القلبية في عدة مواضع من القرآن
الكريم, من جملة ذلك يقول تعالى: " ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ". البقرة 225, وفي هذه السورة يرد التعبير عمّن كتم الشهادة بإثم القلب .
ويقول تعالى: " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ". البقرة 284. وهذه إشارة لمثل الكفر والنفاق والرياء.
ويقول تعالى " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ". الإسراء 36.
وفي سورة النور يقول سبحانه: " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم " ففي هذه الآية نجد أن حب شيوع الفاحشة وهو أمر قلبي اعتبر إثماً يستتبع العذاب.
وفي سورة الأنعام: " وذروا ظاهر الإثم وباطنه ". الأنعام 120. يقول بعض المفسرين أي ذروا الذنوب التي محلها البدن, والذنوب التي محلها القلب, وسنذكر سائر الآيات والروايات الواردة عند تعداد الذنوب القلبية.
=============================
إثم القلب أم مرض القلب:
اعتبر إثم القلب في عدة مواضع من القرآن الكريم مرضاً للقلب, ومن جملة ذلك قوله تعالى في سورة البقرة عن المنافقين: " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ".
عندما يكون القلب مطهراً من أنواع العذاب والأمراض فهو القلب السليم, وسبب السعادة, وفي سورة الشعراء يقول تعالى: " يوم لا ينفع مال ولا بنون, إلا من أتى الله بقلب سليم ". أي أن الأمور الإعتبارية الدنيوية كالمال تنفع للحياة الدنيوية فقط, أما الحياة بعد الموت فلا ينفع فيها إلا القلب السالم, فهو وحده الذي ينفع الإنسان, ثم إن أحد أسماء الجنة هو " دار السلام " أي دار الأشخاص الذين يكونون سالمين من كل مرض تلوث, وعليه فالأشخاص الملوثون بالذنوب يجب أن يبقوا في مستشفى جهنم حتى ينقوا ويطهروا من تلك الأوساخ ويصحوا عندها يمكنهم الدخول إلى الجنة, اللهم إلا إذا كانت ذنوبهم من النوع الذي لا ينفع معه علاج كالكفر والنفاق, بغض الله وأحباء الله, هذه الأمراض تسبب بقاءهم في ذلك السجن أبداً...
========================
ما هو مرض القلب:
كما أن لبدن الإنسان سلامة ومرضاً, فكذلك قلب الإنسان له سلامة ومرض, سلامة الجسم أن تكون تمام أجزائه صحيحة تؤدي دورها وتترتب عليها آثارها التي خلقت من أجلها, ومرضه في نقص عضو منه وذهاب خاصيته, ونتيجة ذلك الألم وصعوبة الحياة.
سلامة القلب في أن تظهر منه وتترتب عليه جميع خصائص الإنسانية وآثارها بأن يكون القلب يملك اليقين والإطمئنان بالنسبة للمعارف والحقائق والعقائد. وأن يكون مطهراً من جميع الأمور القبيحة والحيوانية.
ومرض القلب في الريب والإنكار والشك والحيرة والصداقة والعداوة في غير محلهما والخوف والأمل في غير محلهما أيضاً والحقد والحسد والبخل وغيره. بالتفصيل الذي يأتي في هذا الكتاب وجميع هذه الأمراض خلاف فطرة الإنسان الأولية.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: " إن للجسم ستة أحوال الصحة والمرض والموت والحياة والنوم واليقظة, وكذلك الروح فحياتها علمها وموتها جهلها ومرضها شكّها وصحتها يقينها ونومها غفلتها ويقظتها حفظها ".
ويقول عليه السلام أيضاً: " ألا وإن من البلاء الفاقة وأشد من الفاقة مرض البدن وأشد من مرض البدن مرض القلب. ألا وإن من النعم سعة الحال وأفضل من سعة الحال صحة البدن وأفضل من صحة البدن تقوى القلب ".
أي الطهارة من أنواع الأوساخ والذنوب.
========================
خطورة مرض القلب:
كما أنه عندما يمرض عضو من البدن فإن الإنسان يعيش حالة من الألم والضيق وتصبح الحياة صعبة عليه, فكذلك عندما يبتلى الإنسان بواحد من أمراض القلب فإنه إضافة إلى الإبتلاءات التي تواجهه بعد الموت كما أخبر بذلك الشرع فإنه في هذه الدنيا يعيش الألم والضيق, وتضغط عليه الآلام النفسية إلى حد أنه يرجح الموت على الحياة ويصبح مستعداً للإنتحار.
مثلاً: كما أن ألم الأسنان ينسي الإنسان المفرحات ويحرم القلب والنفس من كل لذة وينغص الحياة, فكذلك ألم الجهل, الكبر, الحسد, العجب, وسائر الأمراض النفسانية, لها هذه الآثار.
الشخص الحسود مثلاً يتألم, ويطير النوم من عينيه وينطوي على نفسه لأن شخصاً آخر حصل على نعمة أو وصل إلى مقام أو مرتبة, ويظل يحترق في هذه النار, منتظراً زوال تلك النعمة عن صاحبها, وغالباً ما لا يصل إلى هدفه وقد يموت من نار هذه الحسرة.
ومن الثابت بالتجربة والعلم أن الأمراض النفسية تؤدي إلى ألم البدن ومرض الجسم لأن الآلام الداخلية تؤثر على الأعصاب والأجهزة الأساسية للبدن, مما يسبب أن لا تؤدي أجزاء مجمل الجسم وظائفها بشكل صحيح وهذا سبب كل مرض.
========================================
إثم القلب من مرض القلب:
لأن القلب سلطان الجسد وأقوال اللسان وجميع الأفعال الإختيارية مرتبطة بإرادة القلب, فمن الواضح أنه كلما كان القلب مريضاً فإن الأقوال والأفعال تكون كذلك أيضاً.
من هنا يصبح قول الإنسان نشازاً, وفعله قبيحاً, وكل ذلك سيكون خلاف الفطرة الإنسانية وضد الصراط المستقيم للدين.
وباختصار كل ذنب يصدر من شخص فهو ناتج عن مرضه القلبي, إذن يجب على كل شخص عقلاً وشرعاً أن يسعى في معالجة مرض قلبه وأن يهتم بسلامة قلبه أكثر مما يهتم بسلامة بدنه.
الجسم سيء لأن القلب فاسد, ظلم الجيش دليل على ضعف الملك .
يقول أمير المؤمنين عليه السلام عن أهل المعرفة: " يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم, وهم أشد إعظاماً لموت قلوب أحيائهم ".
وما ذلك إلا لأنهم يعلمون أن موت البدن حرمان من ملذات بضعة أيام من الدنيا وأي ملذات يا ترى... إنها الملوثة بآلاف الآلام, ولكن موت القلب حرمان من السعادات الدائمة واللذائذ الخالصة الأبدية وعدم الحصول على الحياة الإنسانية الطاهرة في الدنيا والآخرة.
بناءاً عليه لا يمكن اعتبار مرض النفس سهلاً, ولا يصح أن يعتبر التسامح في علاجه مبرراً, عيناً كما أن التسامح في علاج مرض البدن ليس مبرراً عقلاً لأنه يؤدي إلى الموت. والتسامح في مرض القلب ينبغي اجتنابه بطريق أولى لأنه يؤدي إلى الشقاء الأبدي.
==============================
شقاء المجتمع من مرض القلب:
بعد التدقيق في معرفة منشأ أنواع فساد المجتمع البشري المتزايدة يوماً بعد يوم يعلم أن كل فتنة وفساد وخيانة وجناية ترى من أي شخص سببها نوع من أنواع مرض النفس وهو الذي حمله على هذا التصرف غير الإنساني.
أنواع الظلم, إراقة الدماء, التنكر للقيم, الإنحرافات الجنسية, التلوث, أنواع الفحشاء, الإدمان على الكحول والمواد المخدرة, انحلال عرى الأسر, كثرة حالات الطلاق, القسوة, الغلظة, الإنتحارات وغيرها, كله ناتج عن عدم سلامة النفس ونقص " الإنسانية " ومن الواجب على من بيدهم أزمة الأمور أن يبذلوا الجهود النافعة في مجال الصحة النفسية للبشرية وأن يهتموا بذلك أكثر من الإهتمام بصحة البدن.
وفي حين أننا نجدهم – ومن أجل حفظ الصحة البدنية – قد أقاموا المؤسسات الكبيرة وبنوا المستشفيات والمستوصفات, والكليات الطبية, ومعامل صناعة الأدوية, فأي مؤسسات يا ترى تعمل لكشف الأدوية التي تخلص الإنسان من ألمه النفسي.
إن كل هذه المؤسسات لصحة البدن ضرورية وجيدة, ولكن لماذا لا يخطون خطوة واحدة لأجل الحيلولة دون موت الإنسانية, بل أنهم يعملون عمداً أو عن غير عمد عبر الوسائل الإعلامية التي يمتلكونها للقضاء على سلامة النفوس والقضاء على الأخلاق الإنسانية وخنق المجتمع البشري في أسر الشهوات والأهواء والتحلل.
====================================
الحسد نموذج لمرض القلب:
ذكر في الصحف أن أطباء سويسرا شكّلوا فريقاً للبحث في علاج الحسد, هذا يدل أن الأطباء يعتبرون الحسد في عداد الأمراض التي تهدد سلامة البشر, وكما يعملون على معالجة السل والسرطان تصدوا لعلاج مرض الحسد.
نحن لا نعلم كيف وبأي وسيلة سيبدأ هؤلاء الأطباء عملهم وهل سيحالفهم التوفيق أم لا.
على كل حال إن أصل هذا التفكير المقدس يبعث على الأمل, جاء في المقال: لقد عرف البشر مرض الحسد منذ وقت بعيد, ولكنهم لم يجدوا طريق علاجه, ولا يعرفون بأي دواء يمكن القضاء على هذا المرض الذي لا يبقي ولا يذر, ولم تنفع في هذا المجال حتى تعاليم الشرائع والأديان وتوصياتها وكذلك التعاليم الأخلاقية, وظلت البشرية تعاني من هذه النار التي تلتهب في وجود الحاسدين وضمائرهم.
في اعتقادنا أن الحسد أخطر من السرطان, لأن السرطان يهلك في السنة مئات الأشخاص بينما الحسد يستطيع أن يقضي في لحظة على ملايين الأشخاص. أكثر الحوادث التاريخية التي صنعها الحرب والصراعات هي وليدة الحسد, الإسكندر المقدوني كان من أولئك الذين لهم طبع النمر, وكان ينظر باستمرار إلى الدول التي كانت في عصره بمنظار الحسد, وكان الحسد أحد أسباب هجومه على إيران. يقال أنه عندما أحرق تخت جمشيد وكانت ألسنة النار تتصاعد من أبواب القصر وجدرانه كان الإسكندر في حالة سكر من الشراب... وكان يضحك وقد امتزج فرحه بالغضب, وقد اعتبر هذا الغضب الممزوج بالبسمات السكرى أشعة من نار الحسد التي كانت مشتعلة في قلبه باستمرار.
وقد كتبوا عن هتلر الذي ارتكب في الحرب العالمية الثانية تلك الفجائع والمجازر أنه كان رجلاً حسوداً جداً حتى أنه لم يكن يستطيع تحمل لون ثياب الآخرين إذا أعجبه هذا اللون, وكان يقضي على ذلك اللباس الذي انصبّ حسده عليه بأي طريقة ممكنة.
وقد قال في أحد تصريحاته: أنا لا أستطيع أن أرى أني كبرت وشبت وجاء الشباب ليحتلوا موقعي.
ويعتقد أحد الكتّاب الأخصائيين في مادة التاريخ أن سبب ارتكاب هتلر لهذه المجازر هو الحسد, وأنه كان يريد أن يطفيء نار حسده عن طريق الإفراط في التشدد في الطرق التي اعتمدها .