كتبه (صلّى الله عليه وآله) إلى الملوك والحكام
قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً))، فإن: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ)) يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ((إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ)) أي: للناس عامة، وكان تقديم ((كَافَّةً)) لإفادة أن الغرض المسوق له الكلام هو عموم الرسالة، وإنما ((كَافَّةً)) بمعنى عامة؛ لأنها إذا عمتهم فقد كفتهم.
وقال (صلّى الله عليه وآله) في الآية: «بعثت إلى الأحمر والأسود والأبيض».
وقال (صلّى الله عليه وآله): «بعثت إلى الثقلين».
وقد روي أنه: اتخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الخاتم في المحرم ونقش عليه «محمد رسول الله» وكاتب الملوك في شهر ربيع الأول، ونفذت كتبه ورسله إليهم يدعوهم للإسلام. وافتتح كتبه إليهم بـ«بسم الله الرحمن الرحيم».
ولهذا أخذ الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يرسل الرسل إلى الملوك وزعماء القبائل يدعوهم إلى الدخول في الإسلام وينذرهم من العدول والصد عن نداء الحق بالحكمة والموعظة الحسنة.
كتابه (صلّى الله عليه وآله) إلى كسرى ملك الفرس
أرسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إلى كسرى بن هرمز ملك الفرس ومن كان في سلطته بكتاب جاء فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بداعية الله عزّ وجلّ، فإني أنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الناس كافة، لأنذر ((مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ))، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك».
فلما وصل إليه الكتاب مزقه واستخف به وقال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه ويبدأ باسمه قبل اسمي؟ وبعث إليه بتراب، فقال (صلّى الله عليه وآله): «مزق الله ملكه كما مزق كتابي، أما إنه ستمزقون ملكه، وبعث إلي بتراب، أما إنكم ستملكون أرضه» فكان كما قال (صلّى الله عليه وآله).
وذكر أن كسرى كتب في الوقت إلى عامله باليمن (باذان) ويكنى أبا مهران: أن احمل إلي هذا الذي يذكر أنه نبي، وبدأ باسمه قبل اسمي، ودعاني إلى غير ديني. فبعث إليه ـ إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسرى، فأتاه فيروز بمن معه،فقال له: إن كسرى أمرني أن أحملك إليه، فاستنظره ليلة.
فلما كان من الغد حضر فيروز مستحثا، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): «أخبرني ربي أنه قتل ربك البارحة، سلط الله عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل، فامسك حتى يأتيك الخبر». فراع ذلك فيروز وهاله.
وعاد إلى باذان فأخبره، فقال له باذان: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه؟ فقال: والله ما هبت أحداً كهيبة هذا الرجل. فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة، فأسلما جميعاً
كتابه (صلّى الله عليه وآله) إلى قيصر عظيم الروم
وأرسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر عظيم الروم بكتاب جاء فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله عبده ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، وسلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم اليريسين و ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَ اللهَ وَلاَنُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)).
وقد ذكر أن هرقل بعث رجلاً من غسان وأمره أن يأتيه بخبر محمد (صلّى الله عليه وآله)، وقال له: احفظ لي من أمره ثلاثاً: انظر على أي شيء تجده جالسا، ومَن على يمينه، وإن استطعت أن تنظر إلى خاتم النبوة فافعل.
فخرج الغساني حتى أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) فوجده جالساً على الأرض، ووجد علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن يمينه، وجعل رجليه في ماء يفور، فقال: من هذا على يمينه؟ قيل: ابن عمه.
فكتب ذلك ونسي الغساني الثالثة. فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «تعال، فانظر إلى ما أمرك به صاحبك». فنظر إلى خاتم النبوة، فانصرف الرسول ـ أي رسول الملك ـ إلى هرقل. قال: ما صنعت؟
قال: وجدته جالساً على الأرض والماء يفور تحت قدميه. ووجدت علياً ابن عمه عن يمينه، وأنسيت ما قلت لي في الخاتم، فدعاني فقال: «هلم إلى ما أمرك به صاحبك». فنظرت إلى خاتم النبوة.
فقال هرقل: هذا الذي بشّر به عيسى بن مريم، إنه يركب البعير فاتبعوه وصدقوه. ثم قال للرسول: أخرج إلى أخي فأعرض عليه، فانه شريكي في الملك. فقلت له: فما طاب نفسه عن ذهاب ملكه.
وردّ قيصر دحية بن خليفة مكرما، وأهدى إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هدية وكتب إليه كتابا يعتذر فيه، فكتب: إلى أحمد رسول الله الذي بشّر به عيسى، من قيصر ملك الروم: إنه جاءني كتابك مع رسولك، وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل بشّرنا بك عيسى بن مريم، وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك.
وجعل كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الديباج والحرير وجعله في سفط، فلما وصل كتابه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «يبقى ملكهم ما بقى كتابي عندهم».
كتابه (صلّى الله عليه وآله) إلى المقوقس ملك الإسكندرية
وأرسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية، بكتاب وفيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، واسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فان توليت فإنما عليك إثم القبط، و ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)).
وقد روي أن المقوقس قال: إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولاينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى، وسأنظر، ثم أخذ الكتاب وجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جاريته.
وكان المقوقس قد دعا كاتبه الذي يكتب له بالعربية، فكتب إلى النبي (صلّى الله عليه وآله): بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط: سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبثياب، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك
وقال حاطب: كان المقوقس لي مكرما في الضيافة وقلة اللبث ببابه، وما أقمت عنده إلا خمسة أيام ودفع له مائة دينار وخمسة أثواب.
وقد روي أن المقوقس قال لحاطب: القبط لا يطاوعوني في اتباعه ولا أحب أن تعلم بمجاورتي إياك، وأنا أظن بملكي أن أفارقه، وسيظهر على البلاد.
وبعث معه جيشا إلى أن دخل جزيرة العرب ووجد قافلة من الشام تريد المدينة فرد الجيش وارتفق بالقافلة.
كتابه (صلّى الله عليه وآله) إلى النجاشي
وأرسل (صلّى الله عليه وآله) عمرو بن أمية الضميري إلى النجاشي ملك الحبشة بكتاب وفيه: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، إني أحمد إليك الله، الملك القدوس السلام المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله ((وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ)) البتول الطيبة فحملت بعيسى، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، فإن تبعتني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً و معه نفر من المسلمين، والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى».
فكتب النجاشي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جواب كتابه (صلّى الله عليه وآله) وفيه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إلى محمد رسول الله من النجاشي، سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام. أما بعد، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض، إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقدم ابن عمك وأصحابك، وأشهد أنك رسول الله، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك يا نبي الله، فإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة حتى إذا توسطوا البحر غرقت بهم السفينة فهلكوا .
وروي أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كتب كتاباً للنجاشي فقال (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «اكتب جواباً وأوجز» فكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فكأنك من الرقة علينا منا، وكأنا من الثقة بك منك؛ لأنا لا نرجو شيئا منك إلا نلناه، ولا نخاف منك أمرا إلا أمناه، وبالله التوفيق».
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): «الحمد لله الذي جعل من أهلي مثلك، وشد أزري بك» .
كتابه (صلّى الله عليه وآله) إلى ملك اليمامة
وأرسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سليط بن عمرو إلى ملك اليمامة هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام، وجاء في رسالته:
«بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك».
فلما أتاه سليط بن عمرو أرسل إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وفداً فيهم مجاعة بن مرارة والرجال بن عنفوة يقول له: إن جعل الأمر له من بعده أسلم وسار إليه ونصره، وإلا قصد حربه، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لا ولا كرامة، اللهم اكفنيه» فمات بعد قليل .
وروي أن هوذة بن علي ملك اليمامة كتب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كتابا جاء فيه: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك. ثم أجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر .
وقيل: إن هوذة أهدى إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غلاما اسمه: كركرة
كتابه (صلّى الله عليه وآله) إلى ملك عمان
وكتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كتابا إلى جيفر وعبد ابني الجلندي وكانا على ملك عمان، وفيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافةً لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإنه زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما».
وكان (صلّى الله عليه وآله) قال عندما أرسل رسوله إلى أهل عمان: «أما إنهم سيقبلون كتابي ويصدقوني ويسألكم ابن الجلندي هل بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) معكم بهدية، فقولوا: لا، فسيقول: لو كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث معكم بهدية لكانت مثل المائدة التي نزلت على بني إسرائيل وعلى المسيح .
الخلاصة
ظهر مما سبق أن بعض هؤلاء آمن برسالة النبي (صلّى الله عليه وآله) مثل النجاشي ملك الحبشة، وحاكم اليمامة، وحاكم عمان، وهرقل ملك الروم.
والبعض الآخر رد رداً مناسباً مثل المقوقس، حيث أرسل رسالة جوابية إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) ومعها هدية، فقبل النبي (صلّى الله عليه وآله) هديته.
أما البعض الآخر فكان رده سلبياً مثل كسرى ملك الفرس، حيث مزق رسالة النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهان رسوله، كما جاء في كتب الأخبار
وما يهمنا هنا هو ليس تدوين الوقائع، بل الاستشهاد بها، لكي نعلم بأن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لم يضع يداً على الأخرى في الهجرة وينتظر الفرج، بل جاهد جهاداً لا هوادة فيه، وروّض الظروف الصعبة التي مرت به، ووظفها لصالح التبليغ الديني، وهذا هو الدرس المهم الذي نريد أن نستفيد من حديثنا عن هجرة الرسول (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين الأوائل وكيفية تعاملهم مع الظروف التي تواجههم في الهجرة، وتطبيقها على حياتنا اليومية، خاصة وأن عالمنا الإسلامي اليوم ـ ونتيجة الظروف التي أوجدها الأعداء، وبعض العوامل الأخرى ـ يعيش كثير من أبنائه في المهجر، إما مهاجرين أو مهجّرين. ونتعرف أيضاً على طريقة مقاومة هذه الظروف لتحويل الهجرة إلى نصر نحقق فيه أهدافنا الإسلامية.
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين