اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الحمد لله تعالى رب العالمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باب ما جاء في المراء و المزاح و السخرية .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تمار أخاك و لا تمازحه .
و لا تعده موعدا فتخلفه .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من ترك المراء و هو محق .
بنى الله له بيتا في أعلى الجنة و من ترك المراء و هو مبطل بنى الله له بيتا في ربض الجنة .
و قال بعضهم : إياكم و المراء فإنها ساعات جهل العالم و عندها يبتغي الشيطان زلته و قيل المراء يقسي القلب و يورث الضغائن
و قال لقمان لابنه : يا بني ; لا تجادل العلماء فيمقتوك .
و قال بعضهم : لا تتعلم العلم لثلاث و لا تتركه لثلاث لا تتعلم لتمارى به و لا تباهي به و لا ترائى به و لا تتركه حياء من طلبه و لا زهادة فيه و لا رضي بالجهل منه .
فالمراء طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه من غير غرض سوى تحقيره و إظهار مزية الكياسة .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع .
و قيل : و إياكم و الخصومة فإنها تمحق الدين و الخصومة و الجدال .
إذا كان صاحبه مقصودة فيه اللدد في الخصومة على قصد التسلط أو على قصد الإيذاء و يتناول الذي تحدي به .
بأن يمزح في الخصومة كلمات مؤذية و ليس يحتاج إليها في نصرة الحجج و إظهار الحق و يتناول الذي يحمله على الخصومة بمحض العناد لقهر الخصم و كسره مع أنه قد يستحقر ذلك القدر و كسره و في الناس من يصرح و يقول للناس إنما قصدي عنادة و كسر عرضه فمن كان هذا غرضه فهو مذموم جدا و أما الذي يريد أن ينصر حجته في طريق الشرع من غير لدد و لا إسراف و زيادة لجاج و من غير قصد عناد و إيذاء ففعله ليس بحرام و لكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا فإن ضبط اللسان في الخصومة. على حد الاعتدال متعذر و الخصومة توغر الصدر .
و تهيج الغضب للشيء المنازع فيه و تثمر الحقد بين المتخاصمين حتى يفرح كل واحد منهما بمساءة صاحبه و يحزن بمسرته و ربما أطلق اللسان في عرضه فمن ابتدأ بالخصومة فقد تعرض لهذه المحظورات و أقل ما فيه تشويش خاطره حتى أنه ربما
اشتغل سره في صلاته .
بمحاجة خصمه فالخصومة على هذا الوجه مبدأ كل شر و كذا الجدال و المراء .
فينبغي أن لا يفتح بابه إلا لضرورة و عند الضرورة ينبغي .
أن يحفظ اللسان و القلب عن تبعات الخصومة و ذلك متعذر جدا فيفوته بفعل ذلك أشياء كثيرة و أقل ما يفوته طيبة الكلام و ما ورد فيه من الثواب إذ أقل درجات طيبة الكلام إظهار الموافقة و لا خشونة أعظم في الكلام من الطعن و الاعتراض الذي حاصله إما تجهيل أو تكذيب فإن من جادل غيره أو خاصمه أو ماراه فقد جهله أو كذبه فيفوت به طيب الكلام .
و قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمكنكم من الجنة طيب الكلام .
و إطعام الطعام .
و قد قال الله تعالى وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً .
و قال الكلمة الطيبة صدقة .
و قال اتقوا النار و لو بشق تمرة فإن لم يكن فبكلمة طيبة .
و قال بعض الحكماء كل كلام لا يسخط ربك .
إلا أنه يرضى به جليسك فلا تكن به بخيلا .
فلعل الله يعوضك به ثواب المحسنين و هذا كله في فضل الكلام الطيب و يضاد الخصومة و المراء و اللجاج و الجدال و أما الفحش و بذاء اللسان فهي منهي عنه مذموم و مصدره الفحش و اللوم .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إياكم و الفحش فإن الله لا يحب الفحش و التفحش .
و قال : الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) البذاء و البيان شعبتان من النفاق .
و يحتمل أن يكون المراد بالبيان كشف ما لا يجوز كشفه .
و قال جابر بن سمرة : كنت جالسا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبي أمامي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الفحش و التفحش ليسا من الإسلام في شيء و إن أحسن الناس إسلاما أحسنهم أخلاقا .
و قال أعرابي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصني .
فقال : عليك بتقوى الله فإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك فلا تعيره بشيء تعلمه فيه .
يكن وباله عليه و أجره لك .
و قال عياض بن حماد قلت يا رسول الله صلى الله عليك الرجل من قومي يسبني و هو دوني فهل علي بأس أن أنتصر منه فقال المتسابان شيطانان يتعاويان و يتهاتران .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : المتسابان ما قالا فعلى البادي .
حتى يعتدي المظلوم .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ملعون من سب والديه .
و في رواية أخرى : من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه قالوا يا رسول الله صلى الله عليك .
و كيف الرجل يسب والديه قال يسب الرجل فيسب أباه فيسب الآخر أباه .
فأما المزاح فأصله مذموم منهي عنه .
إلا قدر يسير يستثنى منه .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تمار أخاك و لا تمازحه .
فإن أقل المماراة إيذاء لأن فيه تكذيب الأخ و الصديق أو تجهيله و أما المزاح المستثنى عنه .
فمطايبة فيه انبساط و طيبة قلب و ما كان منه هذا القدر فلم ينه عنه اعلم أن المنهي عنه الإفراط فيه و المداومة عليه أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب و الهزل و اللعب مباح و لكن المواظبة عليه مذموم و أما الإفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك و كثرة الضحك تميت القلب و تورث الضغينة و تسقط المهابة و الوقار .
فما يخلو من هذه الأمور لا يكون مذموما .
كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إني لأمزح و لا أقول إلا حقا .
و مثله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدر أن يمازح .
و لا يقول إلا حقا فأما غيره إذا فتح باب المزاح كان غرضه أن يضحك أو يضحك الناس كيف كان .
و قد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه فيهوي بها أبعد من الثريا .
و لأن الضحك يدل على الغفلة عن الآخرة .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو علمتم ما أعلم لبكيتم كثيرا و لضحكتم قليلا .
و قال رجل لأخيه .
هل أتاك أنك وارد النار قال نعم قال فهل أتاك أنك
خارج منها فقال لا .
قال فمم الضحك .
و نظر بعضهم إلى قوم يضحكون في يوم فطر فقال إن كان هؤلاء قد غفر لهم .
فما هذا فعل الشاكرين و إن لم يغفر لهم فما هذا فعل الخائفين .
و كان بعضهم يقول .
أ تضحك و لعل أكفانك قد خرجت من عند القصار .
و قال ابن عباس رضي الله عنه : من أذنب ذنبا و هو يضحك دخل النار و هو يبكي .
و قال بعضهم : إذا رأيت رجلا في الجنة يبكي .
أ لست تعجب من بكائه قال بلى قال و الذي يضحك في الدنيا و هو ما يدري إلى ما يصير هو أعجب منه و المذموم منه أن يستغرق ضحكا و المحمود التبسم الذي ينكشف منه السن .
و لم يسمع الصوت كذلك كان ضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة (عليه السلام) .
و قال بعضهم : يا بني ; لا تمازح الشريف فيحقد عليك و لا تمازح الدني فيجترئ عليك .
و قال آخر : : اتقوا الله و إياكم و الممازحة فإنها تورث الضغينة و تجر القبيحة تحدثوا بالقرآن و تجالسوا به .
فإن ثقل عليكم فحديث حسن .
و قال آخر : : أ تدرون لم سمي المزاح مزاحا قالوا لا قال لأنه زاح عن الحق فإن قيل قد نقل المزاح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فكيف ينهى عنه فنقول إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو أن تمزح و لا تقول إلا حقا و لا تؤذي قلبا .
و لا تفرط فيه و تقتصر عليه أحيانا نادرا .
فلا حرج عليك فيه و لكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح ديدنه .
و يواظب عليه و يفرط فيه فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كثير التبسم .
و من مزاحه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أتت امرأة عجوز إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تدخل الجنة عجوز فبكت .
فقال إنك لست يومئذ بعجوز قال الله تعالى إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً .
و روي : عن زيد بن أسلم أن امرأة يقال لها أم أيمن .
جاءت إلى رسول الله ص فقالت إن زوجي يدعوك .
فقال و من هو أ هو الذي بعينه بياض فقالت و الله ما بعينه بياض .
فقال بلى إن بعينه بياضا فقالت لا و الله فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما من أحد إلا و بعينه بياض أراد به البياض المحيط بالحدقة .
و روى علقمة عن أبي سلمة : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدلع لسانه للحسن و الحسين (عليه السلام) فيرى الصبي لسانه فيهش إليه فقال عيينة بن بدر الفزاري و الله ليكون لي الابن رجلا .
قد خرج وجهه و ما قبلته قط فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من لم يرحم لا يرحم .
و أكثر هذه المطايبات منقولة مع النساء و الصبيان و ذلك من رسول الله ص معالجة لضعف قلوبهم من غير ميل إلى هزل .
و أما السخرية و الاستهزاء فهو محرم. مهما كان مؤذيا قال الله تعالى لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ و معنى السخرية الاستحقار و الاستهانة و التنبيه على العيوب و النقائص على وجه يضحك منه .
قالت عائشة : حكيت إنسانا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أحب أن أحكي إنسانا و لي كذا و كذا .
فأنكر علي .
قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن و الكبيرة القهقهة بذلك .
و هو إشارة إلى أن الضحك على الناس .
من الجرائم و الذنوب .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من *** أخاه بذنب قد تاب منه .
لم يمت حتى يعمله .
و كل هذا يرجع إلى استحقار الغير و الضحك عليه .
استهانة به و استصغارا له .
من كتاب تنبيه الخواطر ونزهة النواظر
الأمير الزاهد أبي الحسين ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري