اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وفاة السيدة آمنة (عليها السلام)
روي إنّه لمّا كبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ردّته مرضعته السيّدة حليمة السعدية إلى اُمّه فافتطمته وأخذته إلى أخواله من بني عدي بن النجّار بالمدينة، ثمّ رجعت به حتّى بلغا «الأبواء» فماتت بها (سلام الله عليها) فيتم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وكان عمره آنذاك ست سنين..
فرجعت به(صلى الله عليه وآله وسلم)اُمّ أيمن إلى مكّة المكرّمة وكانت تحضنه.
وورث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من والدته كل من: اُمّ أيمن وخمسة جمال أوداك وقطيعة غنم، فلمّا تزوّج بخديجة (عليها السلام) أعتق اُمّ أيمن.
وروي أنّ السيّدة آمنة (عليها السلام) لمّا قدمت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)المدينة نزلت به في دار النابغة وهو رجل من بني عدي بن النجّار، فأقامت بها شهراً، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يذكر له اُموراً كانت تدلّ على سمو مقامه ورفعة درجته عند الله تعالى.
منها: إنّه(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: نظرت إلى رجل من اليهود يختلف وينظر إليّ ثمّ ينصرف عنّي، فلقيني يوماً خالياً، فقال لي: يا غلام ما اسمك؟
قلت: أحمد. فنظر إلى ظهري فسمعته يقول: هذا نبي هذه الاُمّة، ثمّ راح إلى أخوالي فخبّرهم الخبر، فأخبروا اُمّي فخافت عليّ وخرجنا من المدينة.
من فضائل السيّدة آمنة (عليها السلام)
ممّا يؤسف له حقّاً أنّ سيرة اُمّهات المعصومين (عليهم السلام)وفضائلهم الرفيعة مجهولة في التاريخ عادة، وعند المسلمين أيضاً، ففي أهم المصادر التاريخية لا يكاد يجد الإنسان شيئاً إلا القليل عن تاريخ هؤلاء النسوة الأخيار، وكيف أنّهنّ كنّ يخدمن المعصومين (عليهم السلام)ويجهدن بكل ما لديهم من طاقة من أجل رعاية أبنائهنّ المعصومين (عليهم السلام)وإن كانت عناية السماء ترعاهم وتسدّدهم قبلهم.
ولكن القرائن الكثيرة هي التي تدل على عظيم مقامهن، فالسيّدة آمنة(عليها السلام) يمكن معرفة شيء من عظمتها وجلالتها عبر هذه القرائن وغيرها:
1: إنّها (عليها السلام) كانت في سلسلة الأرحام المطهّرة التي ورد ذكرها في الروايات الشريفة.
2: إنّها (عليها السلام) كانت زوجة لعبد الله(عليه السلام) والد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)وهذا توفيق خاصّ لا تناله إلاّ من كانت لها حظّ عظيم.
3: إنّها (عليها السلام) حملت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وكانت له وعاءً ضمّته تسعة أشهر.
4: إنّها (عليها السلام) أصبحت اُمّاً لسيّد الكونين ورسول العالمين محمّد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
5: إنّها (عليها السلام) كانت تكنف الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)وترعاه من كيد المناوئين طيلة أيّام حياتها.
6: إنها (عليها السلام) قد ترحّم عليها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وزار قبرها وبكى عليها عند ذلك.
ففي التاريخ إنّه لمّا توفّيت آمنة رجعت اُمّ أيمن بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى مكّة، ثمّ إنه لمّا مرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في عمرة الحديبية بالأبواء قال: إنّ الله قد أذن لي في زيارة قبر اُمّي فأتاه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فأصلحه وبكى عنده، وبكى المسلمون لبكاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقيل له، فقال: أدركتني رحمة رحمتها فبكيت.
7: إنها (عليه السلام) يستحب الطواف عنها لقضاء الحوائج.
ففي الحديث المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما يدلّ بوضوح على أنّ للسيّدة آمنة(عليها السلام) مقاماً عظيماً عند الله وأنّها من صفوة أولياء الله الذين يتوسّل بهم لقضاء الحوائج.
فعن داود الرقّي قال: «دخلت على أبي عبد الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ولي على رجل مال قد خفت تواه فشكوت إليه ذلك، فقال لي: إذا صرت بمكّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ ركعتين عنه، وطف عن أبي طالب طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتين، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثمّ ادع أن يردّ عليك مالك، قال: ففعلت ذلك، ثمّ خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال اقبض مالك».
دفع شبهة
ممّا يؤسف له أنّ البعض من الناس يذهب إلى أنّ السيّدة آمنة بنت وهب(عليها السلام) والدة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لم تكن مؤمنة، ويزعمون أنها قد ماتت على ذلك، ولولا أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)استشفع لها واستوهبها من الله فوهبها له، لكانت من المخلّدين في الجحيم!.
ولم يقتصر هؤلاء على ذلك وإنّما أخذوا يفسرون بعض الروايات كما يشاؤون ويستدلون بتفسيرهم على ذلك.
منها: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي مستوهب من ربّي أربعة، وهو واهبهم لي إن شاء الله تعالى: آمنة بنت وهب، وعبد الله بن عبد المطّلب وأبو طالب بن عبد المطّلب، ورجل من الأنصار جرت بيني وبينه ملحة».
ولكن في المقابل ينبغي الالتفات إلى الاُمور التالية:
أولا: رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بنفسه يصرّح في أكثر من حديث أنّه كان يتنقّل من الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، وهذا ينافي الشرك الذي هو دنس ورجس، ففي الحديث الشريف عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات».
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله أخرجني ورجلاً معي من طُهر إلى طُهر، من صلب آدم حتّى خرجنا من صلب أبينا، فسبقته بفضل هذه على هذه وضمّ بين السبّابة والوسطى وهو النبوّة».
فقيل له: ومن هو يا رسول الله؟
قال: «علي بن أبي طالب».
فكيف يصف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الرحم الذي كان فيه بالطهر والحال أنّ الآية الكريمة تصرّح بنجاسة المشركين فتقول: (إنّما المشركون نجس)، فيعلم من هذا أن آمنة (عليها السلام) كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة لرب العالمين على دين إبراهيم (عليه السلام).
ثانياً: نفس الحديث الذي استدلّوا به يدلّ على إيمان السيّدة آمنة(عليها السلام)، إذ أنّه كيف يستوهب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)لمشرك وإن كانت اُمّه، والحال إنّ الله قد نهى عن موادّتهم والشفاعة أو الدعاء لهم.
ثالثاً: ممّا يؤيّد القول بإيمان السيّدة آمنة (عليها السلام) هي الروايات الصريحة التي تنصّ على أنّ الله قد حرّم النار على بطن حمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «نزل جبرئيل على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك، فالصلب الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطّلب، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأمّا الحجر الذي كفلك فحجر أبي طالب».
وعن أنس بن مالك قال: أتى أبوذرّ يوماً إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة.
قالوا: وما رأيت البارحة؟
قال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ببابه، فخرج ليلاً فأخذ بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام) وقد خرجا إلى البقيع، فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكّة، فعدل إلى قبر أبيه فصلّى عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا بعبد الله جالس وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.
فقال له: مَن وليّك يا أبة؟
فقال: وما الولي يا بنيّ؟
قال: هو هذا علي.
قال: وإنّ علياً ولييّ.
قال: فارجع إلى روضتك.
ثمّ عدل إلى قبر اُمّه، فصنع كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشقّ، فإذا هي تقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك نبي الله ورسوله.
فقال لها: مَن وليّك يا اُمّاه؟
فقالت: ومَن الولي يا بني؟
فقال: هو هذا علي بن أبي طالب.
فقالت: إنّ علياً وليّي.
فقال: ارجعي إلى حفرتك وروضتك.
فكذّبوه، ولبّبوه، وقالوا: يا رسول الله كذب عليك اليوم.
فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): وما كان من ذلك؟
قالوا: إنّ جندب حكى عنك كيت وكيت.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر».
وهذا يؤيّد بوضوح أنّها (عليها السلام) كانت مؤمنة، وقد كمل إيمانها بالإقرار بولاية علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنّ الله تعالى أوجب النار على المشركين والكفّار كما دلّت عليه الآيات والأخيار.
رابعاً: زيارة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لقبرها وترحّمه عليها يدلّ أيضاً على أنّها كانت مؤمنة بالله عزّوجلّ، ففي الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال: «استأذنت ربّي في زيارة اُمّي، فأذن لي، فزوروا القبور تذكّركم الموت».
وهذا وغيره أيضاً يدل على استحباب زيارة القبور، على تفصيل مذكور في محله.
بناء الأضرحة والقباب
قبر السيدة آمنة بنت وهب (عليها السلام) في منطقة الأبواء، وهي قرية بين مكّة والمدينة، وقد ولد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بها.
ومن اللازم أن يسعى المؤمنون والمسلمون كافة لبناء ضريح السيدة آمنة(عليها السلام) والدة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فإن ترك القبر هكذا لا يليق بشأنها العظيم وشأن ولدها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد زار رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قبر أمه، وأمر بزيارتها.
قال تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
أمهات المعصومين عليهم السلام ,سماحة الامام السيد محمد الشيرازي(قدس الله روحه الجنة)