اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
للقيادة الإسلامية أبعاد وجوانب عديدة ترجع في البداية إلى بعدَين أساسيَّين:
القيادة الروحية المعنوية.
القيادة الجسدية المادّية.
وتعني الأولى حكومة القائد الإسلامي على قلوب الناس وأرواحهم وعقولهم، فيعمل على هدايتهم إلى العقائد السليمة الصحيحة، ويسوقهم إلى الأخلاق الحميدة، ويقودهم إلى مكارم الفضائل وتهذيب القلوب وتزكية النفوس.
والثانية ترمز إلى إدارة شؤون حياة الناس المعاشية بكل وجوهها ومجالاتها، وسيادة العدالة الاجتماعية، وتتشعّب إلى القيادة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية وغير ذلك.
ولابدّ للمسلم الواعي من مراعاة جوانب حياته المعنوية والمادية معاً على حدٍ سواء : (... رَبّنَا آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ...) فإن الإسلام ذلك الدين القيم والشريعة السماوية السمحاء كما يأخذ بيد الإنسان في العبادات والروحانيات والأخلاق الفاضلة، كذلك يأخذ بيده في الماديات والجسمانيات والملاذّ والشهوات من دون إفراط ولا تفريط ، بل خير الأمور أوسطها (... جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً ً...) وإن الهدف المقصود وسرّ الخليقة وفلسفة الحياة هو تكميل الإنسان وعروجه إلى قاب قوسين أو أدنى ودرك علّة وجوده من خلافته لله سبحانه في أرضه، كما ورد في الآيات والروايات.
والقائد الإسلامي إنما عليه إدارة شؤون الناس بحزم وتدبير ناجح كما كان النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
وأولى الخصائص وجذورها الأوّلية في القيادة الإسلامية وولاية الأمر، هي أن تكون( بيد العالم الفقيه ) لا الجاهل السفيه، لأن شرعيتها من شرعية حكومة الله سبحانه، ومن شرعية حكومة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، والعلماء ورثة الأنبياء وإنهم أمناء الرسل وقادة الناس كما ورد في الأخبار.
قال ثقة الإسلام الكليني بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام): (( إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه...!؟
فإن فينا أهل البيت في كل خَلَفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين )).
وقال (عليه السلام): (( العلماء أمناء الرسل )).
وقال (عليه السلام): (( العلماء منار ))
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (( ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه ..!؟ من لم يقنّط الناس من رحمة الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر )) .
لقد وضع أمير المؤمنين (عليه السلام) الخطوط الأوّليّة لمن كان فقيهاً حقّ الفقيه، وقد رسم الوظائف الأساسيّة للقائد الإسلامي، فإن الفقيه القائد إنما يهدف ويفكّر في سلامة المجتمع وصيانته من الانحراف والانحطاط والاعوجاج، وكل همّه إنما هو ترويج الدين الحنيف ونشر المعارف والفضائل، فلا يُرخّص للناس بأن يعصوا الله سبحانه، وإنما ينهج مناهج القرآن الكريم ويطبّق تعاليمه وأحكامه القدسية، ولا يميل إلى القوانين الوضعية، وإنما يجعل الناس دائماً بين الخوف والرّجاء.
وإذا صَلُح العالِم صَلُح العَالَم، وإن الناس على دين ملوكهم، فالذي يملك زمام أمرهم إن كان صالحاً فإنه بلا ريب ينشر الصلاح في المجتمع، وإن كان القائد وقمة الحكومة ورأس الشكل الهرمي للدولة من أهل الخير والإحسان، فإنه يؤثّر في صلاح وإصلاح الجهاز الحكومي في كلّ أبعاده والعكس بالعكس.
فالأساس والعمدة أن يتولّى الأمر من كان عالماً صالحاً، وفقيهاً ورعاً، ومديراً عارفاً بأهل زمانه، واقفاً على رموز الحياة والسياسات الدولية والعالمية والداخلية، يداري الناس بالتي هي أحسن، ويفكّر في معادهم ومعاشهم ويقودهم إلى شاطئ السعادة والهناء والعيش الرغيد.
والعالِم الفقيه المتصدّي للأمر إنما يمثّل النبي في زمانه، فإنه وريث الأنبياء والأوصياء، وإن كان (( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته )) إلاّ أنه هو راعي الرعاة.
و(( العلماء ورثة الأنبياء )) وللوراثة أصناف مختلفة، فتارة تعني الوراثة المالية، والعالم لا يرث النبي في ماله كما ينصّ على ذلك الخبر الشريف، وإنما يرثه في المال من كان رحماً له طبقاً لأحكام الإرث في كتاب الله والسنّة الشريفة، إنما العالِم يرثه في علومه وأحاديثه فمن أخذ شيئاً من العلوم إنما أخذ بحظ وافر.
كما يرث العلماء الأنبياء في أخلاقهم السامية وسلوكهم الرفيع من حبّ المساكين وحُسن الخُلُق والحلم والصبر وتحمّل المشاكل والمصاعب من أجل أداء الرسالة.
كما يرثونهم في الهداية وتبليغ الرسالة وتعليم الناس وتزكيتهم وإنذارهم وتبشيرهم ودعوتهم إلى عبادة الله، والإخلاص في العمل والخوف من يوم المعاد.
ويرثونهم في الجهاد والعمل الدؤوب ومحاربة الجهل والظلم وإتباع الشياطين من الطغاة والجبابرة ليقوموا بين الناس بالقسط ولا تأخذهم في الله لومة لائم.
كما يرثونهم في القيادة والحكومة، فإن النبوة رياسة عامة في الدين والدنيا، وإن الدين نظام ودولة والعلماء قادة المجتمع بعد الأنبياء والأوصياء، وبيدهم زمام الأمور ومقاليد الحكم وسياسة البلاد، وبإشرافهم إدارة الحكومات والسلطات.
وينتخبون من بين صلحائهم وليّاً وقائداً، يكون القرار الأخير لإدارة البلاد بيده، ونبغي في هذه العجالة أن نستنبط ونستخرج أهم خصائصه ومميّزاته من الآيات القرآنية الشريفة ـ وإن كانت هذه الخصائص تعمّ كل العلماء والمبلّغين الرساليين، فهي خصائص الأنبياء والرسل، إلاّ أن القائد لابدّ أن يتحلّى بها أكثر من غيره، فهو أولى وأحقّ بها كما لا يخفى ـ ثم المقصود بيان ما يتعلّق بالموضوع على نحو الإجمال والإشارة كرؤوس أقلام وفتح آفاق جديدة لمن أراد الغور والتحقيق في مثل هذا الموضوع القيّم ذو الأهميّة البالغة في عصرنا الراهن، عصر الصحوة الإسلامية والرجوع إلى حكومة القرآن وتطبيق أحكامه ومعارفه في البلاد الإسلامية ومجامع المسلمين في كل ربوع الأرض، فكل واحد من المسلمين قد أحسّ بضرورة وجود حكومة العدل الإسلامي المتمثّل بالقرآن الكريم وأهله، وأنه لا بديل للحكومات المتسلّطة على رقابهم بالبطش والقوة والتزوير لا بديل لها عن الإسلام الحنيف ذلك الدين القيم.
ومن ثمّ كل واحد منهم يرنو ويتطلع إلى بحث قرآني لعلّه يجد ضالّته، وينال بغيته، فيقراً بكل شغف وسرور ويتابع أخبار القرآن الذي لا يأتيه الباطل وأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه غضّ جديد لا يُبلى، وأنه يتماشى مع كل عصر ومصر، ويواكب الحضارات البشرية والتمدن والتقدّم بل ويزيد وتظهر كنوزه ومعادنه العلمية والاجتماعية والثقافية تبياناً لكل شيء، فما من رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين , ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين وبشرى للمؤمنين وما يزيد الظالمين إلاّ خساراً.
فإلى القراء الكرام هذه الرسالة والعجالة، عسى أن تروي الظمآن ولو إلى حين، فإنها غيض من فيض، وقد صبغتها بعد بيان هذه المقدمة في فصول ثلاثة وما توفيقي إلاّ بالله العلي العظيم.
( إِنّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
السيد عادل العلوي...نسألكم الدعاء
دمتم بحب ورعاية الزهراء