بسم الله الرحمن الرحيم
(( اللهم صل على الدرة الفاخرة والمعصومة العفيفة ، كلمة الله العليا ، حاوية المقامات الأحدية ، واقفة مقام ليلة القدر ، صاحبة رتبة الحشر والنشر أم الأئمة النقباء النجباء ،فاطمة الزهراء عليها السلام ))
إن فاطمة الزهراء " عليها السلآم" فوقَ كلامنا ، إنها الصديقة الجليَلة صاحبة المقام العظيم عند الله تعالى و رسُوله - صلىْ الله عليَه وَ آلَه وسَلِم - التيَّ إذا إستقرت في الجنة زارها جميع الأنبياء "عليهُم السلآم" آدم فما دُونه ، ( و إذا إستقر أولياء الله في الجنة زارك آدم ومن دونه من النبين ) .
يالها من عظمَه ! من الأمور المتفق عليها في مصادر الخاصّة ، و قد رويتَ في عدد من مصادر العامّه أن أصل مادة بدن الصديقة الطاهرة الزّهراء "علييَها السَلآم" ليست من مادة هذا العالم و الحياة الدُنيا ، بل هيَّ من الجنَة من أعلى أشجارها و ثمارها ! و أن جبرائيل "عليَه السلآم" أخذ النبي - صلى الله عليَه وآلَه وسلِم - في معراجه إلى الجنَة إلى شجَرة طوبىْ و أطعمَه من ثمارها ، أو أهدى له وهو في الأرض من ثمارها ، فأكلها فتكوّنت نطفة فاطمة و حملت بها خديجة الكُبرىْ .
فقد روى السيوطي ذلك في الدر المنثور و الطبراني في معجمه و الثعلبي في تفسيره و غيرهم من كبار علماء السنة و محدثيهُم ، و في رواية الطبراني تعبيرات عجيبة عن تلك الشجَرة : عن عائشة قالت : قال رسُول الله - صلىْ الله عليَه وَ آله وسلِم - : ( لمَا أسريَّ بي إلى السماء أُدخلت الجنَة فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أرَ في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقاً ولا أطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملت بفاطمة فإذا إشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة )
و لشجرة طوبى ميزات منها : أن جذعها في بيت النبي - صلىْ الله عليَه و آلَه وسَلِمْ - و أن الله تعالىْ غرسَها بيده ( كناية عن أن ملآئكة الله بمن فيهم جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل لا يصلون إلى مستوى غرسها ) .
إن فقه الحديث يَكمُن في فهم كلماته فتأملوا فيها : تربة شجرة طوبى و مغرسها في بيت الشخص الأول في الوجود - صلى الله عليه و آله و سلم - و يجري من تحته ثلاثة عيون : السلسبيل و التسنيم و المَعين ، و في أملاك كل مؤمن غصن منها ، هو أعز عليه من كلّ مايملك في الجنة لأنه مميز بثماره و طيوره و أنغام حفيف أوراقه و الثياب التي تنبت عليه .. كل ذلك فوق ماتشتهي الأنفس !
نـعـم رووا ذلك ، لكن هل فهموا فقه ما رووه ؟!
أما الإمام الصادق "عليَه السلآم" فيقول : ( حديث تدريه خير من ألف ترويه ) و لا يعدّ الرّجل فقيهاً حتى يفقه مقاصد الكلام و دقائقه !
لاحظوا أن جبرائيل "عليَه السلآم" أخذ النبي - صلىْ الله عليَه وَ آلَه وَ سَلِمْ - وهو الشخصَ الأول في العالم إلى الشجَرة الأولىْ في الجنَة في أرفع ملك الله تعالىْ ! ثم قطفَ له من أفضل ثمارها فكان ذلك الثَمر نطفة الصديقة الطاهرة الزهراء "عليَهآ السلآم" لتكُون آية الله تعالىْ في الأرضَ فريده في تكوينها و شخصيتها و ذريتها !
تأمّلوا في قول الله تعالى ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ) فلا بدّ من فهم هاتين الكلمتين : تسوية الجسد ، ثم نفخ الرّوح ، فهما تدلان على إعداد خاص للجسد و على تناسب خاص ضروري بينه و بين الرّوح ، فنفسَ الإنسان لا يمكن أن تحلّ في بدن حيوان مثلاً ، لماذا ؟ لأن تسويته غير مناسبة لها ، فهي لا تحل إلا في بدن تمت تسويته في أحسن تقويم ، فكيف بالبدن الذي لم يؤخذ أصله من عالم الملك ، بل أخذ من عالم الملكوت الذي هو فوق عالم الظلمات ، كبدن الصديقة الكُبرى فاطمة الزهراء "عليهآ السلآم" ؟! وكيف ستكون النّفس التي تناسبه و تحلّ فيه ؟!
هذا هو الفقه الذي لم يفهمه الطّبراني ولا السّيوطي ولا الفخر الرازي ولا كل من روى منهُم و كتب حديث خلق فاطمة من ثمار شجرة طوبى !
إن شجرة طوبى وحيدة فريدة وقد شاء الله تعالى أن يجعل أصل بنت سيد أنبيائه - صلىْ الله عليَه وَ آلَه وسِلمْ - و أم خير أوصيائه "عليهُم السلآم" من أعلى ثمارها .. .
فماهي الروح المناسبة مع هذا البدن التي إختارها الله لفاطمَة "عليهَا السلآم" ؟!
إنها من أسرار الله تعالىْ التي لا نستطيع أن نفهمها لكنّا نفهم لماذا علّمنا النبي - صلىْ الله عليَه وَ آلَه وَ سَلِمْ - و أهل بيته أن ندعُو الله تعالىْ فـ نقُول ( اللهُم إني أسألك بفاطمة و أبيها و بعلها و بنيها و السر المستودع فيها ) .
نعم إن قضية الزهراء "عليَها السلآم" بهذا المستوى من العظمَة وَ الأهميَة و غاية الأمر إن كل إنسان يفهم منها بقدر عقله و فكره ( إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ) فبعضهم يفهم من شخصية السيدة الزهراء "عليهَا السلآم" أنها إمَّ نموذجيَة .. فمعرفته لها على قدر عقله ! و بعضهُم يفهم أنها زوجة مثالية .. و هذا أيضاً قدر عقله و شعُوره ! و بعضهُم حدّ فهمه أن يرى فيها قدوة لنساء العالم .. و هذا أيضاً حدّ فهمه !