السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: (﴿ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾).
وقال تعالى: (﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾) .
فعلم أصحاب البصائر أن العليم بالسرائر والمطلع على الضمائر سيحاسبهم على كل صغير أو كبير أو جليل أو حقير، وعلى مثاقيل الذر من الخطرات واللحظات والغفلات، ولا ينجيهم من هذه الأخطار العظيمة والأهوال الجسيمة إلا محاسبة أنفسهم في الدنيا قبل أن يحاسبوا يوم القيامة.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا من عند الله، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئاً إلا أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفاً كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا (عليه السلام): (﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾).
ومعنى المحاسبة هو أن يحاسب الإنسان نفسه أولاً بالفرائض التي هي بمنزلة راس ماله، فإن أدّاها على وجهها شكر الله على هذه النعمة، وإن فوّتها من أصلها طالبها بالقضاء. وكما أن التاجر يفتش في حساب الدنيا عن القيراط والحبة ليحفظ مداخل الزيادة والنقصان، فينبغي عليه أن يتقي غائلة النفس ومكرها لأنها خداعة، فليطالبها أولاً بتصحيح الجواب عن جميع ما يتكلم به طوال نهاره وليتكفل بنفسه من الحساب ما يستولي غيره في صعيد القيامة.
وهكذا عن نظره وسمعه ولسانه، بل عن خواطره وأفكاره وجميع جوارحه حتى عن سكونه وسكوته وأكله وشربه. فإذا عرف مجموع واجبات نفسه وصح عنده قدر ما أدى من الحق، كان ذلك القدر محسوباً له، فيثبته عليها ويكتبه على صحيفة قلبه.
قال الإمام الباقر (عليه السلام): لا يغرنك الناس من نفسك، فإن الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا فإن معك من يحفظ عليك عملك فأحسن فإني لم أر شيئاً أحسن دركاً ولا أسرع طلباً من حسنة محدثة لذنب قديم.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): إن رجلاً أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال له: يا رسول الله أوصني. فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فهل أنت مستوص إذا أنا أوصيتك؟ حتى قال له ذلك ثلاثاً, في كلها يقول له الرجل: نعم يا رسول الله. فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يك رشداً فامضه، وإن يك غيّاً فانته عنه.
والإمام الكاظم (عليه السلام) حثّ أصحابه على محاسبة أنفسهم والنظر في أعمالهم فإن كانت حسنة استزادوا منها، وإن كانت سيئة طلبوا من الله المغفرة والرضوان. قال (عليه السلام):
(ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسناً استزاد منه، وإن عمل سيئة استغفر الله منها وتاب إليه) .
مراقبة النفس
ينبغي على العبد أن يراقب نفسه في جميع أعماله، ويلاحظها بالعين الخالصة لأنها إن تركت بلا مراقبة فسدت وأفسدت. ثم عليه أن يراقب الله في كل حركة وسكون، وذلك بأن يعلم بان الله مطلع عليه وعلى ضميره، خبير بسرائره، رقيب على أعماله، قائم على كل نفس بما كسبت، وأن سر القلب عنده مكشوف كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف، بل أشد من ذلك قال الله تعالى: (﴿ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾) .
وقال تعالى أيضاً: (﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى ﴾) .
وقال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله): (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك).
ويروى أن زليخا لما خلت بيوسف قامت فغطّت وجه صنمها، فقال يوسف: ما لك تستحين من مراقبة جماد ولا استحي من مراقبة الملك الجبار؟!).
ولا ريب أن المراقبة تحصل من معرفة الله، والعلم بأنّه تعالى مطلع على الضمائر، عالم بما في السرائر، بمرأى منه وبمسمع، هؤلاء هم من الورعين أصحاب اليقين غلب اطلاع الله على ظواهرهم وبواطنهم، ولم يدهشهم ملاحظة الجمال والجلال، بل بقيت قلوبهم على حد الاعتدال، متسعة للتلفت إلى الأحوال والأعمال والمراقبة فيها، وغلب عليهم الحياة من الله فلا يقدمون ولا يحجمون إلا بعد التثبيت، ويمتنعون عن كل ما يفتضحون به في يوم القيامة. فإنّهم يرون الله عليهم، فلا يحتاجون إلى انتظار القيامة.
قال الفقهاء: إن العبد لا يخلو إما أن يكون في طاعة أو معصية أو مباح.
فمراقبته في الطاعة بالإخلاص والإكمال ومراعاة الأدب وحراستها من الآفات. ومراقبته في المعصية بالتوبة والندم والإقلاع والحياء والاشتغال بالتفكير ومراقبته في المباح بمراعاة الأدب، بأن يقعد مستقبل القبلة وينام على اليد اليمنى مستقبلاً إلى غير ذلك. فكل ذلك داخل في المراقبة. وبشهود المنعم في النعمة وبالشكر عليها، وبالصبر على البلاء فإن لكل واحد منها حدوداً لابدّ من مراعاتها بدوام المراقبة.
قال تعالى: (﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾) .
وقال (صلّى الله عليه وآله): (رحم الله امرئً عرف حدّه فوقف عنده).
كيف تقاس الأعمال؟
الإسلام قد نظر إلى الدوافع الذاتية التي تدفع الإنسان إلى عمل الخير نظرة موضوعية أصيلة، وبنى الأعمال على أساس (النية) وقال: (الأعمال بالنيات).
لكل عمل يقوم به الإنسان جانبان، لكل منهما حساب مستقل على حدة فمن الممكن أن يكون عمله خيراً من جهة ولا قيمة له من جهة أخرى.
فهنا يجب أن ينظر إلى ما حمل فاعله عليه من الدوافع النفسية والروحية وحكمنا في مثل هذه الأعمال يستند إلى القيم الخاصة الاجتماعية والخارجية للعمل، ولا موضوعية لنية الفاعل من هذا المنظار. المهم النتيجة الإيجابية فلا يفرق لدينا أن يكون هدف المحسن من إحسانه الرياء والمنافع المادية، أو يكون له في علمه دافع قيم، وأن تكون هناك نية صافية نزيهة في هدف عمله. فالعمل الصالح في النظام الاجتماعي هو ما يكون نافعاً للمجتمع، ولا علاقة له بما فيه للفرد من تكامل معنوي، وأنه بادر إلى ذلك العمل بتأثر من أي دافع أو عامل؟
في شريعة الله لا ينظر إلى كمية العمل، بل إلى كيفية العمل وأثره النفسي والذاتي في شخص الفاعل، فهذا الذي يتقبله الله تعالى.
في هذا المجال الحساب يتبع ما بين الفعل والفاعل من الرابطة، وبأي نية أو هدف أقدم على ذلك العمل، فلو كان قد بادر إلى ذلك العمل الصالح بدافع الرياء فإن نفسه لم تتقرب بذلك إلى الله تعالى بل ابتعد وخاب ظنه، ولا يكفي لتلقي العمل الصالح لديه أن يكون مفيداً للمجتمع فحسب بل العمل الاجتماعي المفيد إنما يكون نافعاً بالنظر إلى التكامل المعنوي فيما إذا كانت الروح خارجة عن حصار الرياء والأهواء الشخصية إلى الصفاء في النيّة والخلوص إلى الله تعالى.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾)
وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): (إنما الأعمال بالنيات).
فثبوت الإيمان بالله هي النية المعنوية، وعندئذٍ يتصف العمل بالقيمة الخالصة وسيكون صاحب هذا العمل مورد لطف الله وعنايته وحمايته. فالإنسان الذي لم تسطع أشعة الله على روحه هو خال من الإيمان والإخلاص، إنما يدفعه إلى القيام بالأعمال الميول النفسانية والشهرة الدنيوية الفانية، إنه بدأ عمله خلواً من روح الحقيقة وأنهاه ليظهر فضائله الإنسانية على الملأ بغية احترامه وتقديره.
هذا الهدف غير القيم يكون السبب الأساسي في رد عمله، ويصبح عمله لا قيمة له عند الله تعالى، ولا تعود منه عائدة سوى ذلك الهدف المحدود الذي كان يهدف إليه ليفيده في حياته الحاضرة.
وهذا ما نلاحظه اليوم عند اكثر المرشحين للنيابة في الانتخابات حيث يبدأ نشاطهم في إعمار المساجد ولم يدخلوها إلا وقت التدشين، وينفقون الأموال الطائلة على الموائد الشهية، والمظاهر الفارغة، والتبرعات الخاصة لذوي الحاجات. كل ذلك لإظهار كرمهم الزائف وافتخارهم أمام الناس لكسب رضاهم.
هؤلاء عطاؤهم مردود عند الله، لأنهم لم يكونوا مخلصين في نواياهم، ولم يعملوا لكسب رضا الله، بل همهم رضا الناس من أجل مصالحهم الخاصة. لكنهم لو عقلوا أكثر لأخلصوا في نواياهم وكسبوا رضا العباد، ورضى رب العباد. قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...) .
أما الذين يتمتعون بالثقة بأنفسهم ويعتمدون على أعمالهم فلا يشعرون بحاجة إلى الرياء لأنهم لا يعانون من أي مرض نفسي. وقد وصفهم أمير المؤمنين علي بن أي طالب (عليه السلام) فقال: (لسان المرائي جميل، وفي قلبه داء دخيل).
وفيه عنه (عليه السلام) قال: (الافتخار من صغير الأقدار). يقول عالم نفسي كبير:
(من الوسائل التي نتوسل بها لجلب انتباه الآخرين عند الفشل وخيبة الأمل وعدم التوفيق، هو الإطراء في الثناء على أنفسنا، نتصور الأعمال التي نحب لو كنا نعملها لو كنا نحصل عليها، وكأنها كانت وحصلت فننسبها إلى أنفسنا، أو نقنع من أنفسنا أن نتحدث دائماً عن الأفعال التي عملناها وأن نعظمها مهما كانت صغيرة وحقيرة بدلاً من الأعمال التي لم نعملها والموفقيات التي لم نحصل عليها).
هذه الفئة من الناس ينخدع أفرادها بجزافاتهم ويرضون عن أنفسهم مخدوعين بحيث تفوتهم أية فرصة للسعي والتوفيق.
ولو كان الثناء على النفس يريح صاحبه من خيبة عدم التوفيق في الأعمال وعدم اجتذاب الناس إلى نفسه، فيخدع بذلك المستمعين بصورة مؤقتة، فإن ذلك لن يعالج المرض الأصيل.
أما الذي يعمل أعمالاً صالحة ويحصل من جراء ذلك على موقع محترم في قلوب الآخرين فلا حاجة له إلى الثناء على نفسه، فهو بدل ذلك يسعى ويعمل، ويحصل كل يوم على اصدقاء مخلصين وتقدير خاص في مجتمعه.
ويقول عالم نفسي آخر: إن الثناء على النفس يولد الانزعاج لدى الآخرين، فهو من جانب قد يشتمل على شيء من الكذب والتزوير، ومن جانب آخر هو ينشأ من الجهل والحماقة. إن من يتحدث عن صفة خاصة في نفسه وبصورة مستمرة قد يكون فاقداً لها. (وفاقد الشيء لا يعطيه). واعلموا أن الذين يتحدثون عن نجاحاتهم ومظاهر نشاطاتهم، وحسن تدبيرهم يفقدون بلا ريب مثل هذه المزايا.
ولا ينبغي أن ننسى أن الكذب حبله قصير، ولا يدوم كثيراً حتى ترتفع الحجب والستائر عن وجه الحقيقة، وحينئذ يفقد المرء كل مكانته ووجاهته بين أفراد مجتمعه مهما حاول التستر. وفي ذلك قال أحد الشعراء:
ومهـــــما يـــكن عند امـرئ من خليقة وإن خالها تـــــخـــفى عن الناس تعلم
هؤلاء أظهروا الحقيقة بوجه مخادع يخالف الحق وذلك بغية تحقيق أهداف خاصة ومصالح شخصية.
والنفاق هو أعلى درجات الكذب وأحقرها حيث يظهر المنافق غير ما يبطن فيلهج بلسان ذلق مخادع وقلبه يضمر العكس تماماً وهو ما سمي بذي الوجهين. من هنا سمي الرجل الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر منافقاً فهو كذب عملي فعلي. ومن هذا النوع الذين يظهرون صداقتهم ويبطنون عداوتهم. وكل من يظهر بمظهر ينافي حقيقته هو منافق حقير مذموم، قلبه مريض. قال تعالى:
(﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾) .
القياس بالنفس
كل إنسان يقيس الآخرين على شاكلته، فإن كان سلوكه فاسداً فيقيس الآخرين على أساس مقاصده الفاسدة ونياته الملوثة وغير النزيهة. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عالم العلماء، وسيد البلغاء، وسيد الأدباء: (الرجل السوء لا يظن بأحد خيراً؛ لأنه لا يراه إلا بطبع نفسه) .
وهذا ما نلاحظه في مجتمعنا اليوم وما يمكن أن يحصل في كل يوم لأن الحقائق العلمية موضوعية ومستمرة في كل العصور. يقول علماء النفس: (حينما تمتلئ الدنيا بعواطفنا وميولنا وأفكارنا، فمن المقطوع به أننا ننظر إلى كل شيء منها بنظرتنا الشخصية، وكأن أحاسيسنا تظل على رؤوس الكائنات. ونلاحظ ذلك في الطبيعة:
فالعواصف تصيب باليأس والقنوط، والنسيم الغض الطري يكسبنا الرضا والسكون. وهكذا نحن البشر نرى الطبيعة الجغرافية والبشرية من خلال نوافذ عواطفنا وأحاسيسنا.
فحسب أحاسيسنا من الممكن أن نرى الهر حيواناً محبوباً لطيفاً أو حيواناً مؤذياً معادياً. كما يمكن أن نرى الأسد حيواناً مأنوساً أو نراه حيواناً مفترساً ضاراً مرهوباً. ذلك أن العواطف والأحاسيس تغير الدنيا التي نعيش فيها بصورة كلية. ومن هنا كان التفاؤل والتشاؤم من الموضوع نفسه عند بعض الناس.
وإذا ما سألنا بعض القضاة والحقوقيين يقولون: قلما يتفق أن يشهد الشهود لحادثة بسيطة ساذجة شاهدوها من قريب، بشهادة واحدة تماماً، فقد تختلف العبارات والصورة من شخص لآخر.
كما نلاحظ ذلك في الأمور التي لا تثير فينا العاطفة نشاهد جيداً كيف تختلف أفكارنا ونظراتنا، فكيف بالأحرى بالحوادث العاطفية.
ولا ريب أن ذلك يعود إلى العقل الذي منه الإتزان والصحة والرأي السليم. قال الإمام الكاظم (عليه السلام) في وصيته لهشام: (يا هشام إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره. يا هشام من سلط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطور أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.
هذا النمط من الناس ينقصهم ضعف في النفس وعدم الثقة بأنفهسم. والسبب في ذلك يعود إلى عدم الاتكال على الله، رب العالمين الذي تستمد منه وحده فهو صاحب القدرة الإلهية الأزلية.
إن المؤمن مع تمتعه بثقته بنفسه، ومع إفادته من كل الإمكانيات التي تحت تصرفه بصورة دقيقة وتامة، لا يحضر روحه بين العلل والعوامل المادية، ولا تتوقف إنسانيته على المادة، بل يرى طريق التعالي والتسامي إلى القمة مفتوحاً عليه، كما يرى عمله أبعد من حدود المادة، فهو يربط بين نشاطاته وفعالياته وأهداف الحياة العالية إن من يطمئن قلبه بالإيمان يكون اعتماده وثقته بالله تعالى الذي بيده سبحانه تدبير كل الأمور وحده لا شريك له. قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .
إن اللجوء إلى غير الله لا ينتج عنه سوى الذلة والحقارة، وأنى لمخلوق عاجز لا ملجأ له إلا الله بل هو فقير في كل شيء إليه ولا يملك من أمره شيئاً، فكيف له أن يمتلك أمر غيره؟
وهل بعد هذا أفضل وألطف من أن يعيش الإنسان في كنف لطف الله وحمايته؟ فهو مالك كل شيء وبيده تدبير جميع الأمور.
إن الخضوع إمام الله في السراء والضراء، والاعتقاد الحازم والراسخ بسيادة القدرة المطلقة الإلهية فوق جميع القدرات والعوامل المادية يترك في نفس المؤمن آثاراً عجيبة من الطمأنينة بحيث لا يفتقد قيمته أمام أي حادث، ولا يضطرب ولا يقلق لأي شيء كبيراً كان أم صغيراً. إن الاتكال على الله عزّ وجلّ لن يؤدي إلى الضعف والوهن، بل هو ثقة واعتماد يوثق قوة الإرادة، ويقطع جذور أي وسوسة أو تردد من القلوب. وهل يزكو عمل الإنسان وهو شاغل قلبه عن أمر ربه؟
الإمام الكاظم باب الحوائج
وصلى الله تعالى على النبي الكريم محمد وآله الراضين المرضيين