بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيدة زينب (ع) حضارة خالدة
عندما يتأمّل الرّائي البحر.. يتيه بين أسراره وعجائبه، وإذا ما ارتمى بين أحضانه يغرق، دون أن يحلّ أي لغز فيه! فتراه يضطرب غضباً تارة.. وحنيناً تارة أخرى، وعلى بساط الأمل يبقى متربّعاً عليه يفيق من سكرة سحر الجمال (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) فيهشّ وجهه ويكمد، ليخلع على ذاته من مصون الأسرار ما أكنته الضمائر.
لذا وذاك عرجتُ بروحي إلى شواطئ البحر.. ساكناً بعد حراك، وصامتاً بعد نطق لأتعض بهدوّه، وخفوت أطرافه وسكونه.. فلقيته (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ)، والملائك تطوف من حوله، وقبل أن اقدح الزناد لأطلق من فوهة فمي السؤال عن ماهية هذه الأمواج.. خرقت مسامعي ألحان الملائكة وهي ترتل نشيدها:
لـي خمسة أطفي بهم حرّ الجحيم الحاطمة
المصطفى والمرتضى وابنيهـما والفاطمة
فانسابت دموعي لترقص على خدّي طرباً بذكر آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، وراحت الأعاصير التي زحفت بعسكرها على فؤادي تذوب كالملح في الماء.. حيث انصهر الظلام، وتوهجت بصيرتي بنور اضطرمت عليه جوانحي يسمو بالهداية.. بعد أن برزت هويّة البحر فعلمت أنه محمداً وآله (صلّى الله عليه وآله). ثم هويت لأجلس كالعبد بين يدي هذا البحر العظيم الذي لا يدرك قعره، ورحت أنعطف عليه لاغترف منه ما يفيض به عليّ من اشراق وتوقد.. فالتحمت كلتا يديّ وصرن تحت بضعة من جسمه البرّاق، فرفعتها لأغسل بها عواق الهموم، واشفي جراحاتي التي لم تندمل بعد.. وإذا بقلبي قد أخذ ينعصر، وطافت سحب الحزن عليه فرحت استعبر منقباً عن قداستها، وما هي إلا هنيهة وإذا بصوت شجى:
هي صفوة الهادي الشفيع وبضعة
من حيدر وســــلالة الزهراء
فارتعدت مفاصلي، وخشع شعري وبشري، ولحظت أنفاسي كأنها تنخلع في حالة نزع.. من الخبر الملتهب الذي أجّج صراخاتي الصامتة على شفاهي الذابلة من فم القروح، فصرت أتمرغ بين السّائل والمجيب في ذاتي المعذبة.. وفرجت بين أصابعي لأضع ما اغترفته على صخرة جاورت أخواتها إلى جانبي فاضطربن اضطراباً شديدا.. فأخذتني الرّعدة، وقد اندلع لسان الألم مستفهماً؟!! من هذه البضعة التي أثارت عطف الصخور؟!! وما اسمها؟ وما شأن ارتباطها بالسلسلة الذهبية الفاطمية؟.. وإذا الصوت بجسمه يعود بشجوه:
هي زينب الكبرى عقيلة حيدر
بثباته يوجـــــه كلّ بلاء
فعلمت حينها أن اسمها زينب وهي سبطة النبي (صلّى الله عليه وآله) وبضعته من بضعته، ونور قد انبثق من علي وفاطمة فكانت هي فألبسه الله هيبته، وعلى مائدة التاريخ جلست لأعلم، وبانت جوانب حياتها مشرقة بعد أن رضعت لبان الوحي، وخصّت بتلكم التربية الروحانيّة، ونشأت قدسيّة، فتجلببت جلابيب الجلال والعظمة وتزاحمت السطور المترجمة لها في خزانة التاريخ وهي متخمة بحقائق عملاقة.. متلهفة على حسراتها التي قضت بها، وهي من ألمع نجوم الإنسانيّة في رسالة الإصلاح والحرية التي حمل لوائها قمر زان سماء العقيدة بهائه وجماله.
وكلما غربت شمس للرسالة أو أفل فيها نجم نراها تزداد تألقاً، وتروح لتزوي الجروح والمحن في جيوب الآلام لتكمل المسيرة التي اعتنقت مبادئها منذ الولادة، فلأي جانب نقصد من حياتها العظيمة يبهرنا سحر إثماره وغزارته.. فعلمها بحر لا ينفد وصبرها موج لا يرتد وفي كلّ فجّ لها سيل عارم ومنهلها فيهنّ العبادة.. حين الولادة وإلى الشهادة.. فلها بالله قربى.. كأني بها لا تذوق النوم إلا غرارا أو مضمضة متقلبة متضرّعة بين يديه ترتعد مفاصلها هيبة وإجلالاً،وتناجي بلسان أبيها ولئالي الدّموع تنهمر من كريمتيها على خزانة أسرار العصمة حتى زانت بتهجّدها أركان المحراب آمرة ناهية، ذائبة في اغتنام الفرصة ورفع الغصّة مؤكدة لقول أبيها (ألا ومن أكل الحقّ فإلى الجنة ومن أكل الباطل فإلى النار)، خافضة بالعلم جناحها ملينة للجانب باسطة للوجه بوجه كلّ يتيم مآسية بينهم في اللحظة والنظرة محذرة للأمة من مبلبل أجسام الملوك وسالب نفوس الجبابرة، لينقلبوا عن الدنيا بالزّاد المبلغ والمتجر الرابح إذا قيل فيها:
فكانت كالأئمة في هداها
وإنقاذ الأنام من الضلال
وهكذا تنشر الفضيلة بأخلاقها النابعة من حديقة الكمال التي غرسها الله ثمّ ليشطرها إلى نصفين في علي وفاطمة وتعود لتجتمع مكللة بالزهور في تاج الكرامة والوقار تتوّج به زينب العقيلة من آل هاشم:
وكـــم قـــال ابن عباس فخوراً:
عقــيلتنا ويـــا نـعم العقيلة
لتكون البدر بلا خسوف والشمس دون كسف، ولنعم ما قيل فيها:
بنفسي من حوت أسمى المزايا
ومـن للـمكرمات غـدة خليل
ومـــــن يسمو الثناء بها ويحلو
وأجــــدر بــالنعوت المستطيلة
فــإن كـثرت مــدائحها فـاضت
تـــعدّ بـــشأنها السـامي قليلةة
وبعد فقد صارت بأبي هي وأمي غرض الأسقام ورهينة الأيام ورميّة المصائب، وانثالت عليها المحن الواحدة تلو الأخرى، فقد جدّها ثم أبيها بعد أمّها وسمّ أخيها حتى ينتهي بها العزاء إلى كربلاء لتمنع العذب وتحلس الخوف مع فتية نحتوا في الصّخور نصر الجيد ولولاهم ما قام عمود الدين ولا اخضرّ عود الإيمان، ولتتحمّل ما عجزت عنه جبال رضوى:
فأبدت بعد يوم الطفّ حزماً
وما من حرّة أبت مثيله
وحلماً لا يقاس بـثقل رضوى
محل بأن يرى رضوى عديله
لقد وثق الحسين بها لكيما
تقوم بحمل أعباء ثـقيله
ثم راحت لتكمل سيرة الجهاد بخطبها الرنانة في مجالس الظالمين:
وكان جهــادها بالقول أمضى
من البيض الصّوارم والنضال
فليس لها من نظير بصبرها على مضض الألم، واليها تشخص أبصار الغوّاصين في خزائن العظمة والمتاحف والإنسانية، وفي بحر صبرها السّلوى لكلّ متأوّه وذات أنين:
يا قلب زينب ما لاقيت من محن
فيك الرزايا وكلّ الصبر قد جمعا
لو كان ما فيك من صبر ومن محن
في قلب أقوى جبال الأرض لانصدعا
يكفيك صبراً قلوب الناس كلّهم
تفطّرت للذي لاقيته جزعاً
وقد أكملت بناء ثورة اخيها الحسين (عليه السلام) إلى القمة لتبقى شاهقة تناطح السحاب، وتتكسّر عند أعتابها أحلام الطغاة، وهي النجم لم يأفل بتجلببها الصبر وتجلدها للعبادة.. لنحيى نحن فنكون بدراً يجدّد أرضاً غرّسوها جثثاً وسقوها بدم.. يفوح عطراً بالولاء.. وهو يصدح نشيداً على مائدة الحروف.. الناطقة من سكون صمت كلمة حسين، مستلهمين النهج الزينبي بنصّه المعبّر: إن في إبراز المظلومية حقيقة الانتصار.
وهكذا براكين الضمائر تغلي.. لنمشي على الجروح.. لتحال منا أفواج العبرات.. دمع ينزف.. وصوت يهتف ملتحماً بصوت العقيلة في مجلس يزيد: (فوالله لا تمحو ذكرنا).. لنقول:
نحن أبكينا الدموع.. ما بكينا.. وابتسمنا.. رغم أنف الظالمين
وانتصرنا.. في السجون.. تحت السياط.. بعد ما نحن صبرنا
وانتصرنا.. بالحياة.. حيثما خط العلم.. نحن أنصار الحسين
السيد علي القصير
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
يقول الإمام الصادق(ع)"العامل بالظّلم والرَّاضي به والمعين له شركاء ثلاثتهم"
بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
حبيبتي قدسية الزهراء وفقكم الله تعالى لكل مايحب ويرضى
دمتم بحب ورعاية الزهراء
اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين ,,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أختي الكريمة أحسنتِ , بارك الله فيكم و وفقكم لكل خــير.
اللهـم صـل علـى محمـد وآل محمـد