اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم عجل فرج مولانا صاحب الزمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يا بابَ اللهِ الّذي لا يُؤتى إلاّ منه ".
الباب لغةً هو المدخل أو الطريق، ويُراد من الباب هنا الباب المعنوي الّذي من خلاله يدخل إلى المملكة الإلهيّة وعوالم الجبروت واللاهوت، وقد حصر الإمام (عليه السلام) الطريق للوصول إلى الله تعالى به (عليه السلام) بقوله "لا يؤتى إلاّ منه" أي لا يؤتى ولا يصل أحدٌ إلى الله إلاّ من خلال هذا الباب، ولا يصحّ أنْ يكون الضمير في (يؤتى) هو الباب وذلك لأنّ ضمير "منه" راجعٌ إلى الباب أيضاً، وعليه فيكون المعنى هكذا (السَّلام عليك يا باب الله الّذي لا يؤتى الباب إلاّ من الباب) فيكون ترديداً زائداً وتحصيلاً حاصلاً، فلا بدّ أنْ يكون الضمير حينئذٍ في (يؤتى) راجعاً إلى الله تعالى فيكون المعنى كالتالي (السَّلام عليكَ يا باب الله أي يا طريق الله الّذي لا يؤتى أي لا يصل إلى الله إلاّ من خلاله).
وبالجملة: يستحيل الوصول إلى الله تعالى إلاّ من خلال الطريق أو الباب الّذي أمر الله به أن يوصل ويُسْلَك، وكذا لا يمكن الوصول إلى رسول الله وإلى عِلْمِهِ إلاّ من خلال بوابة عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، لذا ورد في الحديث المتواتر وقد رواه الفريقان عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: "أنا مدينة العِلْم وعليٌّ بابها".(1)
وورد بألفاظ أخرى منها:
"أنا مدينة الحكمة وعليٌّ بابها".(2)
رواه ثلّة من المؤرِّخين أمثال البغدادي في تاريخ بغداد وابن المغازلي الشافعي، والحمويني في فرائد السمطين والعسقلاني في لسان الميزان والقندوزي في الينابيع، وكذا ورد في لفظ "أنا مدينة الفقه وعليّ بابها".(3)
رواه الثعلبي في المناقب والفضائل لإبن حنبل وإبن الجوزي في تذكرة الخواص.
وورد بلفظ "أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها".(4)
كيف لا يكون الإمام عليّ (عليه السلام) دار الحكمة وباب العِلْم وقد نُقل عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ أنه قال في حقّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): إنّ القرآن أُنـزل على سبعة أحرف (أي بطون) ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهر وبطن وإنّ عليّاً إبن أبي طالب (عليه السلام) عنده عِلْم الظاهر والباطن).(5)
وقال صلّى الله عليه وآله وسلَّم أيضاً: "قُسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً، وعليٌّ أعلم بالواحد منهم".(6)
ملاحظة: فإذا كان النبي مدينة العِلْم، لا بدّ أنْ يكون أمير المؤمنين أيضاً مدينةً بنفسه لكونه نفس رسول الله بنص آية المباهلة،فتقييد النبيِّ المدينة بالباب الّذي هو الإمام (عليه السلام) لإلفات النظر أنه لا يمكن الدخول إلى المدينة أو الدّار ـ دار الحكمة ـ إلاّ من خلال الطريق الّذي أمر الله به أنْ يُوصل ويُسلك كما أشرنا آنفاً، فمَن أُعطي الحكمة كاملة حيث قُسمت عشرة أجزاء تسعة منها لمولانا الإمام عليّ (عليه السلام) والجزء الأخير للناس، ومع هذا فقد شاركهم فيه، يستلزم القول بأنّ هذه الشخصيّة فاقت العالَمين بعلومها وحكمتها، بل لا يمكن قياسه على أحدٍ على الإطلاق.
فعليٌّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو باب عظيم فتحه الله لخاصّة أوليائه من المرسَلين والنبيين والأولياء الصّالحين، لذا روى إبن حجر عن الدارقطني عن إبن عباس أنّ النبيّ قال: "عليٌّ باب حطّة مَن دخل منه كـان مؤمنـاً ومَـن خرج منه كـان كافراً".(7) وأورد إبن حجر أيضاً عن الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين أنّ رسول الله قال: "ما تريدون من علي ـ قالها 3مرات ـ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي".(8)
وكذا روى الخاصّة بأنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) والأئمة هم البيوت والأبواب معاً فقد روى الطبرسي في الإحتجاج عن الأصبغ بن نباتة قال: كنتُ جالساً عند أمير المؤمنين فجاء إبن الكوّا فقال: يا أمير المؤمنين مَن البيوت في قوله عزّ وجلّ: (وليس البرّ بأنْ تأتوا البيوت من ظهورها...) قال الإمام عليّ (عليه السلام): نحن البيوت التي أمر الله بها أن تؤتى من أبوابها، نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منها، فمَن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها، ومَن خالفنا وفضَّلَ علينا، فقدا أتى البيوت من ظهورها.(9)
وروى الشيخ الكليني رحمه الله بإسناده عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: الأوصياء هم أبواب الله التي منها يؤتى، ولولاهم ما عُرف الله عزّ وجلّ، وبهم احتجّ تبارك وتعالى على خلقه.(10)
وفي تفسير العياشي عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام): آل محمّد أبواب الله وسبله، والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها، والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة.(11)
بعد ما تقدّم من كون الإمام علي (عليه السلام) طريقاً إلهياً للوصول إلى الله، وباباً لاقتباس الحكمة والعِلْم، بل مدينة بذاتها فيها الكثير من فواكه العِلْم والحكمة، فإنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلَّم ربط كلّ الأمور المعنوية والمادية باتباع مولانا أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، لذا أمر في وقته أنْ يسدّوا الأبواب المشرعة إلى المسجد إلاّ باب المرتضى عليّ (عليه السلام)، فقد روى القندوزي عن كنوز الدقائق للمناوي المصري عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: لا ينبغي لأحدٍ أنْ يجنِبَ في المسجد إلاّ أنا وعليّ.(12)
وروى عن سنن الترمذي عن إبن عباس قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ.
وفي مسند أحمد عن زيد بن أرقم قال كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: سدّوا الأبواب إلاّ باب عليّ، فقال بعضهم فيه، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته.
وروى عن المناقب عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: إنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم قام خطيباً فقال: إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم شيئاً إنْ أمكنت عليّاً في المسجد وأخرجتهم،والله ما أخرجتهم وأسكنته بل الله أخرجهم وأسكنه، إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى موسى (عليه السلام) وأخيه أنْ تبوأا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلةً وأقيموا الصلاة ثمّ أمر موسى أن لا يسكن مسجده (ولا ينكح فيه...) ولا يدخله جنب إلاّ هارون وذريته، وأنّ عليّاً مني بمنـزلة هارون من موسى وهو أخي ولا يحلّ لأحد أنْ ينكح فيه النساء إلاّ عليّ وذريته، فمن ساءَه فها هنا وأشار بيده نحو الشام ـ أي فليرحـل إلى الشام مركـز معاويـة والدولة الأمويّة ـ.
وصفوة القول: إنّ مولانا الإمام المهديّ (عليه السلام) هو مدينة العلوم، والباب الذي من خلاله يصل المرء إلى الله تعالى، فهو بحق باب الله وليس باب مدينة، وكذا بقيّة آل البيت عليهم السَّلام، لذا ورد في الصحيح عن مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال:
"أيها الناس أفهمتم، الله الله في أهل بيتي، مصابيح الظُّلَم ومعادن العِلْم وينابيع الحِكَم ومستقرّ الملائكة، منهم وصيي وأميني ووارثي وهو مني بمنـزلة هارون من موسى، ألا هل بلّغت معاشر الأنصار؟ ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إنّ فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمَن هتكه فقد هتك حجاب الله، فبكى الإمام أبو الحسن الكاظم (عليه السلام) طويلاً وقطع بقيّة كلامه وقال (عليه السلام): هُتِكَ والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمَّه صلوات الله عليها".
فالصدّيقة الطاهرة هي الحجاب والباب إلى الله بل هي سرّ الله في خلقه، مَن عرفها فقد عرف الله، ومَن جهلها فقد جهل الله.
تحية لكم موفقين لكل خير ومكرمه

(1) أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد:1/789.
(2) إحقاق الحق:5/502.
(3) إحقاق الحق:5/505.
(4) إحقاق الحق:5/505.
(5) إحقاق الحق:5/515.
(6) إحقاق الحق:5/519 520.
(7) الصواعق المحرقة:125.
(8) الصواعق المحرقة:124.
(9) الإحتجاج:1/227.
(10) أصول الكافي:1/150.
(11) تفسير العياشي:1/86.
(12) ينابيع المودّة:99.
الشرح مقتبس من كتاب (هداية الألباب الى شرح زيارة السرداب)