
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم عجل فرج مولانا صاحب الزمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن هنالك عتابا على المؤمنين في زمان الغيبة: منذُ أن غاب -صلوات الله وسلامهُ عليه- إلى يومنا هذا وهذا العتاب قائم؛ ألا وهو أن تعاملنا مع هذا الإمام ليس على المستوى المطلوب.. فهو: إمامٌ حيٌ حاضرٌ، نترقب ظهوره.. ويعيش آلامنا، ولا يستبعد أن الإمام -عليه السلام- في صلاة ليلهِ يدعو للمنتخبين من المؤمنين، وهو في كل عصر يشهد الموسم.. ومع ذلك كله، نلاحظ بأن هنالك جفوة من المؤمنين تجاهه.. فالاعتقاد النظري بالإمام -عليه السلام- لا يغني عن هذا الارتباط الشعوري.. كلهم نورٌ واحد، ولكن البعض في زمان الغيبة علاقتهُ بإمام زمانهِ كعلاقتهِ مع الإمام الهادي والإمام العسكري -عليهما السلام-.. صحيح هما أبوان له، ولكنّ هناك فرقاً بين إمامٍ قائمٍ يدعو الناس إلى طاعة الله -عز وجل- وبين إمام توفاهُ الله شهيداً!.. وهذا الجفاء يعود لعدة أسباب، منها:
أولاً: إن طبيعة الإنسان طبيعة تعتقد الشهود؛ يتفاعل مع المرئي والمحسوس، ولهذا ورد في القرآن الكريم، في سورة البقرة، أن أول صفة من صفات المؤمنين، الإيمان بالغيب، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}؛ الغيب سواءً كان غيباً ما لا تلمسهُ الحواس: كرب العالمين، والملائكة.. أو الغيب ما كان غائباً عنا، وإن كانَ مادياً: كهذا الوجود الشريف.. ومع ذلك في نفس هذهِ الآيات يقول: {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}.. إذا بلغ الإنسان مستوى من النضج الفكري والنفسي، يتعامل مع عالم الغيب كتعامله مع عالم المادة، بل أكثر من ذلك!.. هنالك غيب لهُ تغلغل في عالم المادة أكثر من وجود المادة نفسها، صلوات الله على سيد الشهداء الذي كان يناجي ربه في يوم عرفة بتلك المناجاة المعروفة: (أيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ، حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ؟.. مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ؟.. وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ)؟.. ثم يتفاعل الإمام -عليه السلام- ويقول: (عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً).. أبوه أمير المؤمنين -صلوات اللهِ وسلامهُ عليه- عندما يصل إلى الذات الإلهية يقول: (ما رأيت شيئاً، إلا ورأيت الله: قبله، وبعده، ومعه).. وضوح هذا الوجود الربوبي، هذا الشهود الربوبي؛ لا يقاس.. وجود العلةِ أين، ووجود المعلول أين؟.. واجب الوجود أين، وممكن الوجود أين؟..
وعليه، فإن المشكلة تكمن في النضج والبلوغ.. ولهذا لو قدمت شهادة دكتوراه لصبي ما بلغ سن الحلم، وخيرتهُ بين هذهِ الشهادة الراقية، وبين لعبةٍ يلعب بها؟.. فإنه سيقول: ما لي وهذهِ الورقة، أنا أريد ما ألعب به!.. لأنهُ لم يفهم ما معنى هذهِ الورقة، هذهِ الورقة شهادةٌ على أنهُ عالم، ولكن ما لهُ وهذهِ الشهادة؟!..
إن نعيم الجنة لا يخطر على بال بشر، ولكن الذي هو أرقى من النعيم: الرضوان الإلهي، الرضوان الإلهي حالة معنوية، علاقة بين العبد وربه، يقول القرآن الكريم: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}!.. رحيق الجنة؛ غاية النعيم في الجنة هذهِ العلاقة بين العبد وربه.. هذهِ الحالة المعنوية بإمكان الإنسان أن يجريها في الحياة الدنيا.. فالذي يعيش في الدنيا، ويشعر بأن الله -عز وجل- قد رضي عنه؛ هذا الإنسان حاز على رحيق الجنة وهو في الحياة الدنيا.. ولهذا ما لهُ والحور، وما لهُ والقصور؟!.. عليٌ -عليه السلام- يعيش هذا الرضوان في المسجد، ولهذا يجعل الجلوس في المسجد أحب إليه من الجلوس في الجنة، وهذا ليس بمجاملةٍ أبداً، عليٌ لا يجامل.. كان يقول: (جلوسي في المسجد، أحبّ إليّ من جلوسي في الجنّة.. لأنّ الجلوس في المسجد رضا ربّي، والجلوس في الجنّة رضا نفسي.. ورضا ربّي أولى من رضا نفسي).
فإذن، إن التفاعل مع القضية المهدوية، والتفاعل مع القضية الإلهية، والتفاعل مع الحقيقة المحمدية؛ كل ذلك يتوقف على هذا البلوغ.
يتبـــــــــــــــــــــع
تحية لكم موفقين

السراج