اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني

أبو طالب رضوان الله تعالى عليه - الجزء الأخير

"ما أوذي نبي مثلما أوذيت "

المشرفون: الفردوس المحمدي،تسبيحة الزهراء

صورة العضو الرمزية
ام حنان
فـاطـمـيـة
مشاركات: 3584
اشترك في: الأربعاء فبراير 04, 2009 3:36 pm

أبو طالب رضوان الله تعالى عليه - الجزء الأخير

مشاركة بواسطة ام حنان »

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
ليست هناك قوةٌ تساعد على الثبات والمقاومة ، والصمود والاستقامة ، مثل قوة الايمان ، فالايمان بالهدف هو العامل القوي وراء تقدّم الإنسان في ميدان الحياة ، فهو الّذي يهضم في نفسه كل الالام والمتاعب ، ويدفع بالمرء إلى المضي قدماً في طريق الوصول إلى أهدافه المقدّسة ، حتّى ولو كلفه ذلك التعرض للموت.
إنَّ الجنديّ المُسلَّح بقوةِ الإيمان منتصرٌ لا محاله.
إن الجنديّ الّذي يعتقد بأن الموت في طريق العقيدة هو عين السعادة لابدّ أن يحرز النصر.
إن على الجندي ـ قبل أن يسلِّحَ نفسَه بسلاح العصر ـ أن يتزود في قلبه من طاقة الإيمان بالهدف ، ويضيء قلبه بمصباح الاعتقاد بالحقيقة ، وحبِّها ، ويجب أن يكون جهادُه وصلحُه من أجل العقيدة والدفاع عن حوزتها ، وكيانها.
إِنَّ أفكارنا وعقائدنا نابعةٌ من روحنا ، وفي الحقيقة انَّ فكر الإنسان وليد عقله ، فكما أنَّ الإنسان يحبُ ولده الجسماني حبّاً شديداً كذلك يحب أفكاره الّتي هي ولائد عقله وروحه ، بل إن حبّ الإنسان لعقيدته اكثر من حبّه لأولاده الجسمانيّين ، ولهذا فهو يدافع عن عقائده حتّى الموت ، ويغضي ـ في سبيل الدفاع عن حوزة العقيدة والحفاظ عليها ـ عن كل شيء بينما هو غير مستعدّ لأن يضحي بنفسه في سبيل الحفاظ على اولاده.
إنّ حب المرء للمال والمنصب حبُّ محدود ، فهو ينساق مع هذا الحبّ مادام لم يهدّد حياته خطرُ الموت الحقيقي ، ولكنّه مستعد لأن يمضي ـ في سبيل الدفاع عن حياض العقيدة ـ إلى حدّ الموت ، ويؤثر الموت الشريف في سبيل العقيدة على الحياة ، ويَرى الحياة الحقيقية والواقعية في وجود الرجال المجاهدين ، وهو يردد : « إنما الحياة عقيدة وجهاد ». (1)

ولنلق نظرة فاحصة على حياة بطل حديثنا ( ونعني به المدافع الوحيد عن الإسلام وحامي الرسول الاوحد في بدايات عهد الرسالة ) فماذا كان دافعه إلى هذا الامر ، وما الّذي كان يحركه في هذا السبيل ؟ واي شيء كان وراء مضيه في هذا الطريق إلى حافة العدم ، والغض عن النفس والنفيس ، والمقام ، والقبيلة وغير ذلك والتضحية بكل ذلك في سبيل « محمّد » ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
إن من المتيقَّن أن دافعه إلى ذلك لم يكن المحرك الماديّ ، وبالتالي لم يقصد من وراء الدفاع عن ابن اخيه ، وحمايته ، والحدب عليه ، كسب أمر مادي كتحصيل مال وثروة ، لأن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له يومئذ مالٌ ، ولا ثروة.
وكما أن مقصود « أبي طالب » لم يكن أيضاً تحصيل مقام ، وأحراز مكانة اجتماعية لأنه كان يملك في ذلك المجتمع أعلى المناصب واهمها ، فقد كانت له رئاسه « مكة » والبطحاء ، بل هو فقد منصبه وشخصيته الممتازة و مكانته المنقولة بسبب دفاعه عن « محمّد » ، وعدم الاستجابة لقومه في تسليمه اليهم ، والتخلي عنه لأن دفاعه عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قد استوجب سخط زعماء قريش عليه واستياءهم من موقفه ، وخروجهم عن طاعته ، ودفعهم إلى التمادي في معاداة « بني هاشم » و « أبي طالب » والثورة عليهم !! (2)

إظهار الدعوة المحمدية :
عندما أمر الله محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) بإظهار دعوته، وذلك في السنة الرابعة من البعثة قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمه العباس ـ (كما في غاية السؤول عن إبراهيم الحنبلي بأسانيد عديدة )ـ : إنّ الله تعالى أمرني بإظهار أمري، فما عندك؟ فقال له العباس: يا ابن أخي، تعلم أنّ قريشاً أشدّ حسداً لوالدك، وإن كانت هذه الخصلة كانت الطامة الطماء، والداهية العظمى، ورمينا عن قوس واحد، لكن قرب إلى عمك أبي طالب فإنّه أكبر أعمامك، إن لا ينصرك لا يخذلك ولا يسلمك، فأتياه فلما رأهما أبو طالب قال: ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فأخبره العباس بالحال، فنظر إليه أبو طالب وقال: يا ابن أخي إنّك الرفيع كعباً، والمنيع حزباً، والأعلى أباً، والله لا يسلقك لسان إلّا سلقته ألسن جداد، واحتدمته سيوف حداد، والله لتذلن لك العرب، ولقد كان أبي يقرأ الكتب جميعاً، ولقد قال إنّ من صلبي لنبياً لوددت أنّي أدركت ذلك فآمنت به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به، الخبر.
وقد ذكر عند تفسير "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ"(6) أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قام ليدعو أسرته عارضه أبو لهب كما هو مذكور في السير جمعاء فقال أبو طالب: اسكت يا أعور! ما أنت وهذا؟ ثم قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قم يا سيدي وتكلم بما تحب، وبلغ رسالة ربّك فإنّك الصادق الصدّيق.
حينما أظهر الدعوة (صلى الله عليه وآله وسلم) وسفّه أحلام قريش في عاداتها ومعتقداتها، رمته قريش عن قوس واحد، وأخذوا يجتمعون ويتفرقون للنظر والرأي في إقناعه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرجوع عن سبيل الهدى. (3)

فإجتمع أسياد قريش واشرافها في بيت أبي طالب والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حاضر ، وتبودلت بين الجانبين أحاديث حول رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودينه وما خلق من مشكلات في مكة ، وحاول القرشيون اثناء النبيّ عن دعوته وعمله ولكن دون جدوى فلما يئسوا من الحصول على النتيجة الّتي كانوا يريدونها نهضوا من مكانهم ليتركوا بيت « أبي طالب » قال « عقبة ابن أبي معيط » غاضباً مهدداً : لا نعود إليه أبداً ، وما خير من أن نغتال محمّداً !!
فغضب « أبو طالب » من هذه الكلمة ، ولكنه ماذا عساه أن يفعل فهم ضيوفه ، وفي بيته. واتفق أن خرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من البيت في ذلك اليوم ولم يعد ، وجاء « أبو طالب » وعمومته إلى منزله فلم يجدوه ، فجمع فتياناً من بني هاشم وبني المطلب ، ثم قال ـ وهو يظن ان قريشاً كادت برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة ثم ليتبعني إذا دخلت المسجد ، فلينظر كل فتى منكم ، فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم ابن الحنظلية ـ يعنى أبا جهل ـ فانه لم يغب عن شر ان كان محمّداً قد قتِل ، فقال الفتيان : نفعل فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب على تلك الحال فقال : يا زيد أحسست ابن أخي ؟ قال : نعم كنت معه آنفاً.
فقال أبو طالب : لا ادخل بيتي أبداً حتّى أراه.
فخرج زيد سريعاً حتّى اتى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيت عند الصفا و معه أصحابه يتحدثون فاخبره الخبر ، فجاء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي طالب فقال : يا ابن أخي : اين كنت ؟ اكنتَ في خير ؟ قال : نعم ، قال : ادخل بيتك ، فدخل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما اصبح أبو طالب غدى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخذ بيده فوقف على اندية قريش و معه الفتيان الهاشميون والمطلبيون فقال : يا معشر قريش هل تدرون ما هممتُ به ؟
قالوا : لا ، فاخبرهم الخبر ، وقال للفتيان اكشفوا عما في ايديكم ، فكشفوا ، فاذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة. فقال : واللّه لو قتلتموه ما بقّيت منكم أحداً حتّى نتفانى نحن و انتم ، فانكسر القوم وكان اشدَّهم انكساراً أبو جهل (الطبقات الكبرى : ج 1 ، ص 168 ، الطرائف : ص 85) (4)

حصار بني هاشم في الشعب:
لقد شقَّ على قريش انتشار الإسلام المتزايد وأزعجها نفوذه العجيب في القبائل العربية في مدة غير طويلة بالنسبة إلى عمر الدعوة ولهذا كانت تفكر باستمرار في حلّ لهذه المشكلة.
فان اسلام شخصيات ذات أهمية ومكانة كبرى مثل حمزة ، وكذا رغبة فتية قريش المتفتحين في الإسلام ، وحرية العمل والتحرك الّتي اكتسبها المسلمون على اثر الهجرة إلى أرض الحبشة ، كل ذلك زاد من حيرة ، واضطراب الزعامة الجاهلية في مكة ، الّتي زادها حيرة ، وانزعاجاً ، فشل جميع مخططاتها الاجهاضية ضد الإسلام والمسلمين ، وعدم حصولها على أية نتائج تذكر !!
من هنا فكرت في خطة جديدة ، وهي ان تفرض حصاراً اقتصادياً قوياً على النبيّ والمسلمين تقطع به كل الشرايين الحيوية للمسلمين ، وبذلك تحدّ من سرعة انتشار الإسلام وتقف دون نفوذه ، وبالتالي تخنق بين كمّاشة هذا الحصار مؤسس هذه العقيدة التوحيدية ، وأنصاره.
ولهذا اجتمع زعماء قريش في « دار الندوة » ووقّعوا ميثاقاً كتبه « منصور بن عكرمة » وعلّقوه في جوف الكعبة ، وتحالفوا بان تلتزم قريش ببنوده حتّى الموت.
ونصَ هذا العقد على الاُمور التالية :
1 ـ أن لا يبتاعوا من أنصار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا يبيعوهم شيئاً.
2 ـ ان لا ينكحوا اليهم ولا ينكحوهم.
3 ـ أن لا يؤاكلوهم ولا يكلّموهم.
4 ـ ان يكونوا يداً واحدة على « محمَّد » وانصاره.
وقد وقّعت على هذه الصحيفة الظالمة القاطعة كلُ الشخصيات البارزة في قريش إلاّ « مطعم بن عدي » وأعلنت عن سريان مفعوله بكل قوة وإصرار.
فلما علم حامي النبي الاكبر أبو طالب ( عليه السلام ) بذلك جمع بني هاشم و بني المطلب وحمّلهم مسؤولية الدفاع عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم والحفاظ على حياته وسلامته ، وأمرهم بالخروج من مكة وبدخول شعب كائن بين جبال مكة كان يعرف بشعب أبي طالب فيه بعض البيوت العادية ، والسقائف البسيطة جداً ، والسكنى في ذلك الشعب بعيداً عن المجتمع المكّي المشرك.
وعمد إلى بث رجال منهم في نقاط مرتفعة للمراقبة والحراسة تحسباً لأي هجوم مباغت تقومُ به قريش (5).
وقد استمر هذا الحصار ثلاثة أعوام كاملة ، وبلغ الجهدُ بالمحاصَرين في الشعب بحيث ارتفع صراخ الأطفال من الجوع والضر ، وبلغت هذه الصرخات مسامع قساة مكة الاّ انها لم تؤثر فيهم قط.
كان الشباب والرجال منهم يعيشون على تمرة واحدة طوال اليوم ، وربما تناصف اثنان تمرة واحدة ، ولم يمكنهم الخروج من الشعب طوال هذه السنوات الثلاث الاّ في الاشهر الحرم حيث يسود الأمنُ كل انحاء الجزيرة العربية.
فاذا حلّ الموسمُ كانت بنُو هاشم تخرج من الشعب فيشترون ويبيعون ثم يعودون إلى الشعب إلى الموسم الثاني.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستغلّ هو أيضاً تلك المواسم في نشر دينه ، والدعوة إلى ما أتى به.
وكانت عناصر قريش تحاول مضايقة النبي وأنصاره وتمارس الحصار الاقتصادي عليهم بشكل من الأشكال حتّى في هذه المواسم ، فكانوا يحضرون عند مواقع البيع والشراء فاذا وجدوا مسلماً يريد أن يبتاع شيئاً اشتروه بثمن أغلى ليمنعوا المسلم منه !!
وكان « أبو لهب » أكثر الناس اصراراً على هذا العمل ، فقد كان ينادي في الأسواق : يا معشر التجار ، غالوا على أصحاب محمَّد حتّى لا يدركوا معكم شيئاً فقد علمتم مالي ووفاء ذمتي فانا ضامن أن لا خسار عليكم ، فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافاً حتّى يرجع الرجل المسلم إلى اطفاله وهم يتضاغون من الجوع وليس في يديه شيء يطعمهم به ، ويغدو التجار على أبي لهب فيربّحهم فيما اشتروا من الطعام واللباس !! (السيرة النبوية : ج 1 ، ص 337 الهوامش).
وكان « الوليد بن المغيرة » ينادي : أيّما رجل منهُم وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه فكانت قريش تباكرُهم إلى الأسواق فيشترونها فيغلونها عليهم. (6)

ولما أراد الله أن يكشف الغم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن اسرته المرابطة المجاهدة بين يديه، حيث لا ناصر سواهم ولا معين (7) نزل ملك الوحي « جبرئيل » على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في الشعب ، وأخبره بان اللّه قد بعث على صحيفة المشركين القاطعة دابّة الأرض فلحست ( أو اكلت ) جميع ما فيها من قطيعة وظلم وتركت جملة « باسمك اللّهمّ » فأخبر رسولُ اللّه أبا طالب بذلك قائلا يا عمّ إنّ ربّي اللّه قد سلّط « الإرضة » على صحيفة قريش فلم تَدع فيها إسماً هوللّه إلاّ أثبتتهُ فيها ، ونفت منها الظلم والقطيعة والبهتان.
فقال أبو طالب : إذن لا يدخلُ عليك أحَدٌ (8).
ثم قامَ ولبسَ ثيابَه ، ومشى هو ورسولُ اللّه وشخصٌ آخر حتّى دخلوا المسجد على قريش وهم مجتمعون فيه ، فلما دَنا أبو طالب منهم قامُوا إليه وعظَّموه ، وتباشروا وظنّوا أن الحصَر والبلاء حمل أبا طالب على التخلّي عن موقفه ، فقالوا له : قد آن لك أن تطيب نفسُك عن قتل رجل في قتله صلاحُكم وجماعتكم ( أو قد آن لك أن تسلّم إلينا ابن أخيك ).
فقال أبو طالب : واللّه ما جئت لهذا ، ولكنَّ ابن أخي أخبرني ولم يكذّبني أنّ اللّه تعالى أخبَرهُ أنه بعث على صحيفتكُم القاطعة دابَّة فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور وترك اسم اللّه ، فهلم صحيفتكم فان كان حقاً فاتقوا اللّه وارجعُوا عمّا أنتم عليه من الظلم والجور وقطيعة الرَّحم.
وإن كان باطلا دفعتُه إليكم فان شئتم قتلتمُوهُ ، وإن شئتم استحييتموه.
فقالوا : رضينا ، وتعاقدوا على ذلك.
غير أنَّ هذا لم يوجب هدايتهم بل زادهم شراً وعناداً ورجع بنو هاشم مرّة اُخرى الى الشعب وبقوا محاصرين فيه مدّة من الزمن ولم يمكنهم الرجوعُ إلى منازلهم بمكة إلاّ بعد أن نقضها هشام.
وقد قال « أبو طالب » في مدح هذا ( أي نقض الصحيفة القاطعة والنَفر الذين قاموا بنقضها ) قصيدة مطوَّلة جاء في مطلعها. (9):

ألا هل أتى بَحريُّنا (10) صنعُ ربّنا *** على نأيهم واللّه بالناس أرودُ (11)
فيخبرهم أنَّ الصحيفة مُزّقَت *** وان كلُّ ما لم يَرضه اللّه مُفسدُ (12)



فقدان الناصر و الحامي:
لقد سقطت مؤامرة الحصار الاقتصادي ضدّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بفعل إقدام ثلة من ذوي المروءة وأيضاً بفضل صمود النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وثباتهم العظيم. وخرج النبيّ وأنصاره من « شِعب أبي طالب » بعد ثلاث سنوات من النفي والعذاب وعادوا إلى منازلهم ظافرين مرفوعي الرؤوس.
وعاد التعامُل الاقتصادي مع المسلمين إلى ما كان عليه قبل الحصار ، وكانت أوضاع المسلمين تسير نحو الانتعاش والانفراج شيئاً فشيئاً ، وإذا برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يُفاجَأ بحادث مؤلم مرٍّ ذلك هو وفاة شخصية كبرى أحدث فقدانها أثراً سيّئاً في نفوس المسلمين وبخاصة المستضعفين منهم.
ولقد كان هذا الأثر عظيماً جداً بحيث لا يمكن قياسه بشيء بالنظر إلى تلك الظروف الحساسة ، وذلك لأن نمو أية عقيدة وفكرة إنما يكون في ظل عاملين أساسيّين : أحدهما : حرية التعبير ، والآخر : القوة الدفاعية الّتي تحمي أصحاب تلك العقيدة والفكرة ضدّ حملات الخصوم الّتي لا ترحم.
ولقد كان المسلمون ـ آنذاك ـ يتمتعون بحرية البيان والتعبير ، ولكنهم افتقدوا بسبب الحادث المفاجئ المذكور العاملَ الجوهري والمصيري الثاني يعني : حامي الإسلام والمدافع الوحيد عنه الّذي وافته المنية في تلك الايام الحساسة وحُرم المسلمون بوفاته من حمايته ودفاعه ، ووقايته. (13)

فكانت وصيته رضوان الله تعالى عليه :
« اُوصيكم بمحمّد خيراً فانّه الأمينُ في قُريش وهو الجامعُ لكلّ ما اُوصيكم به ، وقد جاءَ بأمر قبله الجَنان ، وانكره اللِسان مخافة الشنئان ، وأيم اللّه لكأنّي انظرُ إلى صعاليك العرب ، وأهل البرّ في الاطراف ، والمستضعفين من الناس ، قد أجابوا دعوته ، وصدّقوا كلمته ، وعظّموا أمره فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش و صناديدها أذناباً ، ودُورُها خراباً ، وضُعفاؤها أرباباً ، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ... ».
ثم ختم وصيته هذه بقوله :
يا معشر قريش كونوا له ولاةً ، ولحزبه حماةً ، واللّه لا يسلك أحدٌ منكم سبيله الارشد ، ولا يأخذ أحد بهديه الاّ سعد (السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 351 و 352). (14)

أجل لقد فَقَد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم حاميه العظيم الّذي تولى مهمة كفالته والدفاع عنه ، والمحافظة على حياته بصدق واخلاص وجدّ و رغبة وكان يقيه بنفسه وذويه ويؤثره على نفسه وأولاده وينفق عليه من ماله حتّى كَبُرَ وصار له مال وطول منذ أن كان صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الثامنة من عمره وحتّى يوم وفاة ذلك الحامي العظيم ، ورسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في الخمسين من عمره.
لقد فَقَد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم شخصيةً خاطبها عبدُالمطلب عند وفاته بالشعر قائلا :
اُوصِيكَ يا عَبدَ مناف بعدي *** بموحد بَعدَ أبيهِ فَردِ

فأجابه أبو طالب قائلا : يا أبَه لا توصِيَّنِ بمحمّد فانه إبني وابن أخي(عمدة الطالب : ص 6 و فيه : بواحد ، المناقب : ج 1 ، ص 21) (15)



_____________________________________

(1) المراد من العقيدة المقدسة هو بطبيعة الحال ما تذوب « الأنا » فيها في التوحيد والايمان باللّه إذ هنا يصدُق قولُه :
قِف عند رأيك واجتهد *** إنّ الحياة عقيدةٌ وجِهاد

(2) سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم - الشيخ جعفر السبحاني - ج 1 - باب 21 ـ وَفاة أَبي طالب وخديجة الكبرى - [الدِفاعُ عن حوزة العقيدة والايمان] - ص 518 - 519

(3) شيخ الأبطح - السيد محمد علي شرف الدين - مهماته وآماله [العقد الخامس]

(4) سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم - الشيخ جعفر السبحاني - ج 1 - باب 21 ـ وَفاة أَبي طالب وخديجة الكبرى - [لمحات من تضحيات أبي طالب] - ص [521 - 523]

(5) هامش سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم [السيرة النبوية : ج 1 ، ص 350 ، وتاريخ الطبري : ج 2 ، ص 78 ، وقد كتبت هذه الصحيفة الظالمة في الليلة الاُولى من السنة السابعة للبعثة وعندما عرف ابو طالب بأمرها أنشد قصيدة في ذمهم مطلعها :
ألم تعلموا أنا وجدنا محمَّدا ***نبياً كموسى خُطَّ في أول الكُتب ]

(6) سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم - الشيخ جعفر السبحاني - ج 1 - باب 20 ـ الحصار الاقتصادي والاجتماعي - [ قريشٌ تحاصر النبيّ والمسلمين اجتماعياً واقتصادياً] - ص [500 - 503]

(7) شيخ الأبطح - السيد محمد علي شرف الدين - مهماته وآماله [العقد الخامس]

(8) هامش سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم [وإنّما اتخذ مثلَ هذا الاجراء حتّى لا يفشوا ذلك الخبر فيبلغ المشركين فيحتالُوا للصحيفة ويكذّبوا بذلك خبر النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم].

(9) سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم - الشيخ جعفر السبحاني - ج 1 - باب 20 ـ الحصار الاقتصادي والاجتماعي - [ وضع بني هاشم المأساوي في الشِعب] - ص [507 - 508]

(10) هامش سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم [ يقصد من هاجر من المسلمين إلى الحبشة في البحر].

(11) هامش سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم [ أي أرفقُ] .

(12) هامش سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم [ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 377 ـ 380 و قد أدرج ابن هشام القصيدة بتمامها ، فراجع ].


(13) سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم - الشيخ جعفر السبحاني - ج 1 - باب 21 ـ وَفاة أَبي طالب وخديجة الكبرى - ص 512

(14) سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم - الشيخ جعفر السبحاني - ج 1 - باب 21 ـ وَفاة أَبي طالب وخديجة الكبرى - [وصية أبي طالب عند وفاته] - ص 528

(15) سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم - الشيخ جعفر السبحاني - ج 1 - باب 21 ـ وَفاة أَبي طالب وخديجة الكبرى - ص 513

اللون الأحمر إضافة مني


المصدر :
سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم - الشيخ جعفر السبحاني - ج 1
شيخ الأبطح - السيد محمد علي شرف الدين


في طرحنا هذا لم يكن الهدف إثبات إيمان أبي طالب عليه السلام أو لا .. فنحن معتقدين بإيمانه أصلا..
لكن كان الهدف منه عرض مواقف و تضحيات أبي طالب عليه السلام في سبيل بقاء الدعوة الاسلامية والأهم من ذلك دوره البارز في حماية ابن أخيه النبي محمد صلى الله عليه و آله .. و إن كان بشكل مختصر

أتمنى أنكم قد استفدتم مما طرح هاهنا
منقول
صورة العضو الرمزية
أنوار فاطمة
فـاطـمـيـة
مشاركات: 15700
اشترك في: الخميس مارس 25, 2010 3:57 am

Re: أبو طالب رضوان الله تعالى عليه - الجزء الأخير

مشاركة بواسطة أنوار فاطمة »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
أشكرك أختي الغالية على الطرح الرائع
جزاك الله ألف خير
ووفقك لما يحب ويرضى
بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
صورة العضو الرمزية
أم فاطمة البتول
مشاركات: 12220
اشترك في: الأحد أكتوبر 12, 2008 12:45 am

Re: أبو طالب رضوان الله تعالى عليه - الجزء الأخير

مشاركة بواسطة أم فاطمة البتول »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لك ..
اخذ روحي ونظرعيني لبو السجاد وديني يسجلني
عبير اترابه اشتمه واريد بدفتر الخدمة يسجلني
صورة العضو الرمزية
خادمة ام البنين
فـاطـمـيـة
مشاركات: 13645
اشترك في: الأربعاء أكتوبر 29, 2008 2:15 am

Re: أبو طالب رضوان الله تعالى عليه - الجزء الأخير

مشاركة بواسطة خادمة ام البنين »

اللهم عجل لوليك الفرج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


استغفر الله وأتوب اليه
بارك الله فيكم ورحم الله والديكم على الطرح النوراني الرائع جداً
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى * إن كنت تسمع صرختي وندائيا
صورة العضو الرمزية
صرخة الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 23718
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 10, 2008 4:13 am
مكان: في مملكة الزهراء

Re: أبو طالب رضوان الله تعالى عليه - الجزء الأخير

مشاركة بواسطة صرخة الزهراء »

بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
حبيبتي أم حنان اسال الله لكم بدوام الموفقيه والسداد في دنيا والاخرة
دمتم بحب ورعاية الزهراء
صورة
اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
صورة العضو الرمزية
شجـون الزهـراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 27275
اشترك في: الاثنين يناير 26, 2009 6:25 pm

Re: أبو طالب رضوان الله تعالى عليه - الجزء الأخير

مشاركة بواسطة شجـون الزهـراء »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
أحسنت الطرح بارك الله فيك ,
في ميزان حسناتك إن شاء الله .
اللهم عجل لوليك الفرج
صورة
صورة العضو الرمزية
دماء الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 43141
اشترك في: الخميس يناير 07, 2010 9:08 pm

Re: أبو طالب رضوان الله تعالى عليه - الجزء الأخير

مشاركة بواسطة دماء الزهراء »

صورة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جَزَاكُم الْلَّه كُل خَيْر
رَحِم الْلَّه وَالِدِيْكُم
و جَعَلَه فِي مِيْزَان حَسَنَاتِكُم
دَعَوَاتِي لَكُم بِالتَّوْفِيْق وَقَضَاء الْحَوَائِج عَاجِلَا كَلَمْح البَصرِبِحق شَهِيْد كَرْبُلْاءَ(ع)

نسْالُكُم خَالِص الْدُّعَاء

الْلَّهُم صَل عَلَى مُحَمَّد وَآَل مُحَمَّد الْطَّيِّبِين الْطَّاهِرِيْن

صورة
يقول الإمام الصادق(ع)"العامل بالظّلم والرَّاضي به والمعين له شركاء ثلاثتهم"

العودة إلى ”روضة النبي المختار "ص" وال بيته الاطهار "ع"“