الحمد لله تعالى رب العالمين
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
صلى الله عليك يا مولاي يا ابا عبد الله الحسين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التضحية ... الأخوة ... الوفاء ... هو دروس بطلها العباس (( عليه السلام )) 2 .
حجر بن عدي طلبوا منه البراءة من أهل البيت عليهم السلام لذلك من يستخدم التقية، الإمام علي عليه السلام: ( أما السب فسبوني، وأما البراءة مني فلا تتبرؤوا مني ). وهُنا رسالة إلينا بأن لا نُبدي غير ولاية أمير المؤمنين عليه السلام إذا ابتعدنا عن أجوائنا ولا نتنازل عنها حتى ولو بالظاهر فقط ، ولتكن رؤوسنا مرفوعة ونحن نقول بأننا شيعة فشيعة أهل البيت عليهم السلام لم يطأطئوا الرؤوس يومًا، ولنكن أصحاب عقيدة راسخة، نحترم الجميع ونتمسك بأمير المؤمنين عليه السلام في الظاهر والباطن إلا لو وصل الأمر إلا القتل ولكن نبقى متمسكين بها في الباطن. لماذا نصلي على غير التربة الحسينية ؟ فلنحمل التربة معنا أينما نذهب ، في أي مطار في العالم ، احترام المذاهب هو نظام عالمي على الجميع الإلتزام به.
قال مأمون الرقي : كنت عند سيدي الصادق عليه السّلام إذ دخل سهل بن الحسن الخراساني فسلم عليه ثم جلس فقال له : يا ابن رسول الله لكم الرأفة والرحمة ، وأنتم أهل بيت الإمامة ، ما الذي يمنعك أن يكون لك حق تقعد عنه ؟ وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف ؟ فقال له عليه السّلام : اجلس ياخراساني رعى الله حقك ، ثم قال : يا حنيفة أسجري التنور فسجرته حتى صار كالجمرة وابيض علوّه ، ثم قال: يا خراساني ! قم فاجلس في التنور ، فقال الخراساني : يا سيدي يا ابن رسول الله لا تعذبني بالنار، أقلني أقالك الله قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك اذ أقبل هارون المكي ونعله في سبّابته فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الإمام الصادق (ع) : ألق النعل من يديك واجلس في التنور ، قال : فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور، وأقبل الإمام يحدث الخراساني حديث خراسان حتى كأنه شاهدها ، ثم قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنور، قال: فقمت اليه فرأيته متربعاً ، فخرج الينا وسلم علينا ، فقال له الإمام عليه السّلام : كم تجد بخراسان مثل هذا؟ فقال : والله ولا واحداً ، فقال عليه السّلام : لا والله ولا واحداً ، فقال : أما انّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا ، نحن أعلم بالوقت.
يروى أن فاطمة بنت حزام الكلابية قالت لأمها إني رأيت في منامي كأني جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة,وأنهار جارية, وكانت السماء صافية,والقمر مشرقاً, والنجوم ساطعة,وأنا أفكر في عظمة خلق الله من سماء مرفوعة بغير عمد وقمر منير وكواكب زاهرة,فبينما كنت في هذا التفكير ونحوه وإذا بي أرى القمر قد انقض من كبد السماء ووقع في حجري وهو يتلألأ نوراً يغشي الأبصار,فعجبت من ذلك وإذا بثلاثة نجوم زواهر قد وقعوا أيضاً في حجري وقد أغشى نورهم بصري فتحيرت في أمري مما رأيت وإذا بهاتف قد هتف بي أسمع منه الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول :
بشراك فاطمة بالسادة الغررِ
ثلاثةٍ أنجمٍ والزاهرِ القمرٍ
أبوهم سيد في الخلق قاطبة
بعد الرسول كذا قد جاء في الخبر
سمعت ذلك وذهلت وانتبهت فزعة مرعوبة,وهذه رؤياي يا أماه فما تأويلها .فقالت لها أمها يابنية إن صدقت رؤياك فإنك تتزوجين برجل جليل القدر رفيع الشأن عظيم المنزلة أولادك يكون أولهم وجهه كأنه القمر وثلاثة كالنجوم الزواهر, فلما سمع حزام ذلك أقبل عليهما وهو مبتسم ويقول يا بنية لقد صدقت رؤياك !! فقالت له أمها : وكيف علمت ذلك؟ قال : هذا عقيل ابن أبي طالب جاء يخطب ابنتك قالت : لمن؟ قال : لفلال الكتائب. ومظهر العجائب وسهم الله الصائب وفارس المشارق والمغارب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. عندها ذهب حزام إلى عقيل وهو مستبشر فقال له عقيل ما ورائك قال الخير إن شاء الله قد رضينا بأن تكون ابنتنا خادمة لأمير المؤمنين عليه السلام فقال عقيل: لا تقل خادمة بل قل زوجة, وعن بعضهم أنها قالت لأمها وهي تقص رؤياها : يا أماه ففرحت فرحاً عظيماً,ثم بعد حين لم أجد القمر ولا الكواكب فاشتد حزني وتضاعفت حسرتي, وهذا ما لم يفسر لها حتى مرت الأيام والليالي فكشفت لها عن تفسير ما بقي من رؤياها وإذا بها ثكلى تردد بقلب مفجوع:
كانت بنون لي أدعى بهم، واليوم أصبحت ولا من بنين
فجاء قمر العشيرة عليه السلام ، العبّاس الذي عندما قطعت يمينه صار يردد ( والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبدًا عن ديني وعن إمام صادق اليقين )
إذًا العباس عليه السلام لم يتنازل عنه دينه وكان يدافع عن إمامه دون أن يذكر أو يقوم بذلك بدافع الأخوة إنما بدافع أن الحسين عليه السلام هو إمام العباس عليه السلام. تضحية العباس هي أنموذج لنا بأن لا نتنازل عن الدين من أجل معاملة تجارية ، من أجل فتاة ، من أجل منصب أو شهرة .
العباس ليس بليلة السابع فقط بل هو في وجداننا، في عقولنا، في سلوكنا طيلة العمر وأيام السنة ولا يقتصر ذلك على عاشوراء فقط.
( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا )، العين نعمة، العباس قدم عينه من أجل أن نحفظ أعيننا فنغض البصر عن أعراض الناس، الشعر نعمة والوجه الجميل نعمة أيضًا فلا تجعل من نفسك ألعوبة وتقع في مصيدة الشيطان ( إن الله جميل يحب الجمال )، ولكن تذكر أيها الإنسان بأنه بين ليلة وضحاها يذهب كل شيء ويبقى العمل !
العباس عليه السلام كان عمره عندما استشهد 34 عامًا ، 14 سنة قضاها من والده أمير المؤمنين عليه السلام ، 10 سنوات قضاها مع أخيه الحسن و10 مع الحسين . اشترك في المعارك التي حدثت في خلافة أبيه وكان احد إبطال معركة صفين وهو أول المبارزين في المعركة وكان من المعروف عند العرب وقبل بدأ المعركة يطلب من الفريقين المبارزة وإخراج أبطالهم فالانتصار في تلك المبارزات يعني رفع الروح المعنوية للفريق المنتصر وكسر الروح القتالية للفريق الخاسر في المبارزة.
وفي معركة صفين طلب معاوية من الامام علي خروج أبطاله للمبارزة فأختار الامام ولده العباس وهو شاب وطلب منه عدم إظهار وجهه ولا يعلن اسمه لقوم معاوية خشية ان يرفض من المبارز الآخر وخرج من جانب فريق معاوية أحد أولاد أبي الشعناء وكان فارس معروف آنذاك هو وابنائه فقتل العباس ابنه فخرج ابنه الثاني والثالث والعباس يجندله بسرعة حتى قيل ان الضربة التي يوجهها له لم يلحظها لسرعتها وهو على هذه الحال حتى خرج له ابي الشعناء وكان عابسا غاضبا يرتجز طالبا بثأرأبناءه ... وقف أمام ذالك الفارس الملثم وطلب منه معرفة اسمه فلم يجيبه العباس وكررسؤاله مرات والعباس لم ينتسب ولم يميط اللثام وهنا قال أبي الشعناء لم أبارزك حتى تجيبني بنسبك وترفع اللثام عن وجهك والقوم منتبهون صامتون كأن على رؤوسهم الطير والأعناق مشرئبة من الطرفين لمعرفة الفارس الملثم والذي يأبا الانتساب وإزالة اللثام . وعند هذا الحد أرسل الامام علي ابنه محمد ابن الحنفية الى أخيه العباس ليرفع اللثام ويجيب الرجل وعرف عن اسمه ونسبه ورفع لثامه وأرتجز حتى صاح ابي الشنعاء صيحة سمعها القوم في ساحة المعركة وهو يقول (ياويلي) طفل يبترني ويقلع أبنائي ( والله لأثكل امك وابكي ابيك عليك) فشد عليه ابي الشنعاء وكان غضبه واضحا عليه فاستغل العباس حالته تلك وهوج تصرفه فاستخدم هدوءه ومكر القتال فأسقطه عن جواده بجواده بسرعة وعاجله بضربة علوية واحدة اطار من رأس ابي الشنعاء الجزء العلوي فترنح الرجل وسقط تحت أرجل فرسه.وقيل ان تلك المبارزة كانت لها الوقع الكبير في انتصار الامام علي في معركة صفين بعد ان زرعت الرعب في قلوب القوم وذاع صيت العباس وأصبح حديث الرجال والنساء ومؤنس الناس في ليالي الشتاء .عندما رُفع اللثام عن وجه العباس عليه السلام ناداه الإمام علي عليه السلام: ارجع ولدي إني أخاف عليك من العين. وهُنا تجدر الإشارة إلى الحسد فالعين حق، دائمًا قُل ( ما شا الله، لا قوة إلا بالله )، اقرأ سورة الفلق، الصدقة. العبّاس عالم غير معلم ( تالي تلو المعصوم ) الإمام علي عليه السلام عندما وُلد العباس كان يقبل كفيه ويبكي ويقول بأن هاتين الكفين ستقطعان. الإمام علي كان يقول للعباس قُل واحد فيقول يقول له قل اثنان فيقول له : إني أستحي أن أقول بالفم الذي قال واحد ، إثنان ؛ لأن كلمة الحق واحدة.
اليوم، كثير من الآباء يسألون عن كيفية تربية أبنائهم وهم يتركوهم يأكلون من الوجبات السريعة، طعام الشبهة ولقمة واحدة من الحرام تجعل دعاء الإنسان لا يُستجاب لأربعين يوم. الطعام الذي يأتينا من أوروبا، البعض يقول أنه من دولة إسلامية ولكنها كانت إسلامية. هذه الأطعمة هي التي تساهم في هذه الأمراض السرطانية والبعد من الله تعالى. فلتهتموا بأبنائكم أيها الآباء والأمهات، امنحوهم من أوقاتكم، أم البنين عليها السلام كم صرفت من الوقت لإبنها العباس عليه السلام والعباس ما أصله؟ مَن والده؟ كانت توصيه على أخيه الحسين عليه السلام.
دروس العباس عليه السلام:
الدرس الأول: التضحية
حيث أن الدين فوق كل شيء.
الدرس الثاني: الأخوة
الأخوة نعمة من الله، الأخ الأكبر كونه الأكبر لا يعطيه الحق في السيطرة على إخوته الصغار أو يحرمهم من الإرث، بل عليه أن يعلمه ويربيه، على الأخ أن يتنازل لأخيه من أجل المحبة والأخوة، أي سعادة تغمر الأخوة حين يخرجون من بعضهم البعض جميعًا إخوة وأخوات، خصوصًا الأخت لا تُعوض أبدًا، من يشعر بذلك هو من لا يملك أختًا، يستشعر هذه القيمة للأخت. ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسًا المجلس، وقد دخلت عليه امرأة فقام إجلالاً لها ، وعظـّمها، وافترش لها رداءه، فجلست وراح يحدّثها ، ويصغي لكلامها ، وهو مقبل عليها بكله ، حتى إذا فرغت من الكلام ، وقامت منصرفة ، ودّعها النبي صلى الله عليه وآله ، وسار خطوات معها ، تقدم أحد الأصحاب يسأله عن هذه المرأة التي استحقت كل هذا التكريم منه ، فقال صلى الله عليه وآله: إنها أختي من الرضاعة ، إنها شيماء بنت حليمة السعدية. كان الرسول يحترم أخيه من الرضاعة ولكن أقل من أخته لأنها كانت أكثر برًا بوالديها، صرخة على الأم من البنت يأتيها من أولادها فـ ( كما تُدين تُدان )، ( ارحم تُرحم )، ( من زنا زُني به ). نظام كوني بعيدًا عن النظام الشرعي.
الدرس الثالث: الوفاء
جاء العباس لكربلاء مع إخوته ووقف مع الحسين وضحى بنفسه، كانت آثار السجود على جبهته المباركة، ما يُقرأ في زيارة الإمام الصادق عليه السلام لعمه قمر العشيرة يبين مكانته وقيمته، الإمام الصادق يقول: ( لقد كان عمنا العباس نافذ البصير، صُلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله فأبلى بلاءً حسنًا ومضى شهيدًا ). قُطعت يداه فأبدله الله جناحان يطير بهما في الجنة. الشهداء يغبطون العباس على مكانته يوم القيامة.
فعدم زيارة العباس والحسين جفاء بحقهما، الظروف ليست عُذرًا، إن لم تتمكن بالطائرة فبالحافلة، الحسين عليه السلام حجة الله ( إمام )، أما العباس فماذا قدم لله؟ البعض من المؤمنين يزور العباس ثم يتجه لزيارة الحسين عليه السلام فالعباس باب الحسين.
أحدهم يأتيني بابنته وهو يقول في العام الماضي جئنا ليلة العباس في هذه الحسينية المباركة وتوسلنا بالعباس نطلب منه الذرية فرزقنا الله هذه.
امرأة تتصل، وتقول: تتذكر قبل عامين اتصلت بسماحتك، وقلت لي بأن حاجتي عند أبي الفضل العباس ؟ جئت إلى الحسينية ليلة السابع وتوسلت بقمر العشيرة وها أنا لدي طفل والآن أنا حامل.
فليخاطب أصحاب الحوائج قمر العشيرة ومن جاء عند أبي الفضل لا يخيب ويناديه: ( نخيتك يا بو فاضل ياخو زينب ) ثم يصلوا ركعتين وبعد ذلك 133 مرة ( يا كاشف الكرب عن وجه أخيه الحسين، اكشف كربي بحق أخيك الحسين ). كلنا الليلة ضيوف، هذه الناس التي تملأ الحسينية وخارج الحسينية يجلسون في الشارع، رجال، نساء، أطفال، الجميع الليلة مع أبي الفضل هو من يتكفل بحوائجهم ( أقسم عليكَ بصرخة زينب ).
شاب اسمه ( مخيلف ) تعرض لحادث أدى لفقدانه القدرة على الحركة والوقوف، ليلة السابع ذهب للحسينية وهو مقعد، أخذته حرقة وهو ينظر للمعزين وهم يلطمون وهو عاجز عن ذلك، فخاطب قمر العشيرة فقد كان يعزي في كل عام والآن لا يقدر على ذلك، أخذته غفوة، جاءه رجل يأمره بالقيام فأخبره بأنه لا يستطيع ذلك وطلب من الرجل أن يمد له يده، فأخرج يديه وإذا بهما مقطوعتان فعرف أنه العباس عليه السلام، أفاق من غفوته وإذا به قادر على الوقوف، فصار يلطم ويصرخ مع المعزين ( يا أبا الفضل، يا عبّاس ).
هذا عزيز الحسين وحبيب أمه الزهراء وأمه أم البنين ( يا قمر العشيرة، دخيلك!، انظر إلينا نظرة )
سماحة الشيخ : عبد الرضا معاش .