اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم
يقول تعالى في سورة الأحزاب آية6{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم}
بعد وفاة المولى صلى الله عليه وآله وسلم
حدثت الكثير من المواقف
التي أوقعت البعض في حيرةٍ من أمره
وما واقعة الجمل إلاّ إحدى تلك المواقف
ففي كفة يقف المولى علي عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنص آية المباهلة
وفي الكفة المقابلة تقف أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فمن وُفق منهم إلى الحق تذكر أقوال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في حق المولى علي عليه السلام فسلك طريقه فقد جاء في المستدرك للصحيحين عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : كنت مع علي رضي الله عنه يوم الجمل فلما رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس ، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر فقاتلت مع أمير المؤمنين فلما فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيت أم سلمة فقلت : إني والله ما جئت أسأل طعاماً ولا شراباً ولكني مولى لأبي ذر فقالت : مرحباً فقصصت عليها قصتي فقالت : أين كنت حين طارت القلوب مطائرها قلت : إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس ، قال : أحسنت سمعت رسول الله صلى الله عليه واله : يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
أما من كانت على قلبه غشاوة فسلك طريق الباطل وهلك مع الهالكين.
ومما يؤسف أن المسلمين وإلى يومنا هذا لا يزالون متشدقون بـتعظيم "أمهات المؤمنين" والإستماتة في الدفاع عن بعضهن إلى درجة الغلو
غافلين أو متغافلين عن كونهن غير معصوماتٍ عن الخطأ
مفسرين لقوله تعالى في الآية المذكورة أعلاه{وأزواجه أمهاتهم} بالإحترام والتبجيل والتعظيم حتى ترى الكثير من الأحاديث الموضوعه التي نُسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي تُشير إلى أخذ الدين منهن وبالخصوص من أم المؤمنين عائشة فقد جاء في كتاب أضواء على السنة المحمدية " خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء" وهلمَّ جرا
فما هو المقصود من هذه الآية؟!
اختلف العلماء في معنى أمهات المؤمنين إلى رأيين :
الرأي الأول : المقصود أنه يحرم الزواج بهن كما يحرم الزواج بالأم .
الرأي الثاني : المقصود هو الاحترام و التعظيم و الإجلال .
وبإستعراض سريع لأقوال البعض:
1-فتح الباري - ابن حجر ج 1 ص 17 :
قوله أم المؤمنين هو مأخوذ من قوله تعالى وأزواجه أمهاتهم أي في الاحترام وتحريم نكاحهن لا في غير ذلك مما اختلف فيه على الراجح وإنما قيل للواحدة منهن أم المؤمنين للتغليب و إلا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح.
2-مجمع البيان/ الطبرسي
{ وأزواجه أمهاتهم } المعنى أنهن للمؤمنين كالأمهات في الحرمة وتحريم النكاح ولسن أمَّهات لهم على الحقيقة إذ لو كن كذلك لكانت بناته أخوات المؤمنين على الحقيقة فكان لا يحلّ للمؤمن التزويج بهنَّ فثبت أن المراد به يعود إلى حرمة العقد عليهن لا غير لأنه لم يثبت من أحكام الأمومة بين المؤمنين وبينهن سوى هذه الواحدة ألا ترى أنه لا يحلّ للمؤمنين رؤيتهن ولا يرثن المؤمنين ولا يرثونهن ولهذا قال الشافعي: { وأزواجه أمهاتهم } في معنى دون معنى وهو أنهن محرمات على التأبيد وما كنَّ محارم في الخلوة والمسافرة. وهذا معنى ما رواه مسروق عن عائشة أن امرأة قالت لها يا أمَّه فقالت لست لك بأم إنما أنا أُمّ رجالكم فعلى هذا لا يجوز أن يقال لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالات المؤمنين. قال الشافعي: تزوَّج الزبير أسماء بنت أبي بكر ولم يقل هي خالة المؤمنين.
3- تفسير الطبري:
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { وأزْوَاجُهُ أُمَّهاتُهُمْ } مـحرّمات علـيهم.
4-تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 61 ص 277 :
وقوله : ( وأزواجه أمهاتهم ) جعل تشريعي أي أنهن منهم بمنزلة أمهاتهم في وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي التصريح به في قوله ( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا . فالتنزيل إنما هو في بعض آثار الأمومة لا في جميع الآثار كالتوارث بينهن وبين المؤمنين والنظر في وجوههن كالأمهات وحرمة بناتهن على المؤمنين لصيرورتهن أخوات لهم وكصيرورة آبائهن وأمهاتهن أجدادا وجدات وأخوتهن وأخواتهن أخوالا وخالات للمؤمنين
5-تفسير القرطبي - القرطبي ج 41 ص 123 :
الثالثة - قوله تعالى : ( وأزواجه أمهاتهم ) شرف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين ، أي في وجوب التعظيم والمبرة و الإجلال وحرمة النكاح على الرجال ، وحجبهن رضي الله تعالى عنهن بخلاف الأمهات .
وقيل : لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات . ثم هذه الأمومة لا توجب ميراثا كأمومة التبني . وجاز تزويج بناتهن ، ولا يجعلن أخوات للناس . وسيأتي عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آية التخيير إن شاء الله تعالى .
إن المتأمل في هذه الآراء يجد الإتفاق على الأمر الأول وهو حرمة النكاح
بهن وما يؤيد ذلك قوله في الآية المباركة{ أمهاتهم} أي أنهن أمهات للرجال دون النساء، والمراد بالتعظيم تعظيم حرمة النكاح ، وقد يعترض معترض فيقول إنما قيل للواحدة منهن أم المؤمنين للتغليب و إلا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري ج 1 ص 17.
ويُرد عليه بما ورد في تفسير القرطبي للآية حيث قال:
واختلف الناس هل هنّ أمهات الرجال والنساء أم أمهات الرجال خاصة؛ على قولين: فروى الشعبيّ عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها: يا أمّة؛ فقالت لها: لست لك بأمّ، إنما أنا أمّ رجالكم. قال ابن العربي: وهو الصحيح.
ولكن ماسبب تحريم الزواج من زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته:
روى القرطبي في الجامع لأحكام القران قوله تعالى: "ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" روى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة أن رجلا قال: لو قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة، فأنزل، الله تعالى: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" الآية. ونزلت: "وأزواجه أمهاتهم" . وقال القشيري أبو نصر عبد الرحمن: قال ابن عباس قال رجل من سادات قريش من العشرة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء - في نفسه - لو توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة، وهي بنت عمي. قال مقاتل: هو طلحة بن عبيد الله.
وروى السيوطي في الدر المنثور وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وماكان لكم أن تؤذوا رسول الله...} قال: نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده قال سفيان: ذكروا أنها عائشة رضي الله عنها.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: لئن مات محمد صلى الله عليه وسلم لأتزوجن عائشة. فأنزل الله {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله...}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا يقول: إن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت فلانة من بعده، فكان ذلك يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل القرآن {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله...}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا، ويتزوج نساءنا من بعدنا، لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده. فنزلت هذه الآية.
ولو فرضنا أن المقصود هو التعظيم والاحترام والاجلال كما يقول أصحاب الرأي الثاني فيرد السؤال التالي هل زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم معرضات للخطأ أم أنهن معصومات عن الخطأ؟!
إن أقل نظرة لآيات الذكر الحكيم تكشف للمنصف ما يلي:
1- أن الإسلام فرض على زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجاب كما فرض على غيرهن من النساء أي أنه تعامل معهن كما يتعامل مع أي شخص مسلم ففي سورة الأحزاب. الآية: 59 يقول تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}.
2- أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مدحت من تستحق المدح منهن لفعلها الحسن وذمت وهددت من تستحق ذلك لقبيح فعلها ومن أراد الاستزادة فعليه بمراجعة تفاسير الفريقين لآيات سورة التحريم، أما الروايات فكثيرة منها ماجاء في مدح السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله تعالى عليها
3- أنهن لسن كسائر النساء ولكن هذا مشروط بالتقوى (إن اتقيتن) ومن أهم شروط التقوى التي أمرن بها هي إن يقرن في بيوتهن ولا يخرجن إلا لحاجة قصوى قال تعالى (يانساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا, وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) "الأحزاب 32,33"
4- من أوفت بكل التزاماتها من تقوى وإحسان والإقرار في البيوت كانت زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآخرة، ومن خالفت ذلك لم تستحق ذلك ،روى المتقي الهندي في كنز العمال أيتكن اتقت الله ولم تأت بفاحشة مبينة ولزمت ظهر حصيرها فهي زوجتي في الآخرة
(ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ج8 - عن عطاء بن يسار) إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه - فذكره.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم"يا عائشة إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، ولا تستخلفي ثوبا حتى ترقعيه، وإياك ومجالسة الأغنياء". ورواه ابن سعد.
ولنفرض جدلاً أن كل أمهات المؤمنين مُدحن في القرآن ولم يصدر منهن ما يُعيب فهل وردت آيات أو روايات تأمر بإتباعهن أو الاقتداء بهن أو بيان عصمتهن عن الخطأ ؟!
إذاً لماذا يقيم البعض الدنيا ولا يقعدها إن قالت الشيعة أن إحدى إمهات المؤمنين قد أخطأت؟!
مع العلم بأن القرآن قد أخبر بذلك صريحاً أم أنكم تنكرون ماجاء به القرآن وإن لم تنكروه فلا بد أنكم تصرفونه عن وجهه الصحيح كعادتكم
وأخيراً فإنه لا معصوم إلاّ من عصمه الله تعالى
ولا يُخذ الشرع إلاّ ممن أمر الله بالأخذ عنهم
يقول مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام( إن الله إنما يأمر بطاعةِ رسوله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية الله وإنما أمر بطاعةِ أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله،فهم أولوا الأمر، والطاعة لهم مفروضة من الله ومن رسوله، لا طاعة لأحدٍ سواهم ولا محبة بعد رسول الله إلاّ لهم)إحقاق الحق:13/78
منقول
نسألكم الدعاء