بسم الله الرحمن الرحيم

عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : قال رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) :
[font=Andalus]( وُدّ المؤمن للمؤمن في اللّه مِن أعظم شعب الإيمان ،
إلا ومَن أحَب في اللّه ، وأبغض في اللّه ، وأعطى في اللّه ، ومنع في اللّه ،فهو مِن أصفياء اللّه ) .[/font]
وعن عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) قال :
[font=Andalus]( إذا جمع اللّه عزّ وجل الأولين والآخرين قام منادٍ فنادى ليَسمع الناس فيقول :
أين المتحابّون في اللّه ؟ قال : فيقوم عنقٌ من الناس فيقال لهم : اذهبوا إلى الجنّة بغير حساب ) .[/font]
وعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) :
[font=Andalus]( كلّ مَن لم يُحبّ على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له )[/font] (1)
إنّ حب المؤمنين نتيجة طبيعية لحب اللّه تعالى ؛ لأنّهم مرتبطون باللّه بأسمى معاني الارتباط ، وحب الشيء ينبسط وينسحب على ارتباطاته ، ومتعلّقاته .
وينتج حبّ المؤمنين من جهة أخرى من التجانس في العلاقة باللّه تعالى ، والعقيدة والحياة في عالم يغترب فيه المؤمنون الحقيقيون ، والإنسان يألف مُجانسه ، ومُماثله ..
ويفرز تحابّ المؤمنين فيما بينهم وينمّيه الخُلق الإسلامي من الأدب ، والاحترام ، والتزاور ، والتكافل .. وغير ذلك من التعامل الذي يهدف الإسلام من التشجيع عليه توثيق الصلة بين المؤمنين ، وتركيز علاقتهم العاطفية .
إنّ حياة المؤمنين فيما بينهم هي حياة الحب ، والأُنس ، والانفتاح ، والاحترام ، والتواضع .. فلا حِقد ، ولا بَغضاء ولا كراهية ، ولا انقباض .. هي حياة ملؤها الرحمة ، والحنان ، والعطف لا تشوبها شائبة من غلظةٍ ، وجفاءٍ ، وقطيعة..
وقد نلاحظ في حياتنا اليومية بعض المؤمنين الذي يتنافرون ، بسبب اختلافهم في الرأي حول قضية إسلامية ، فتشيع بينهم العداوة والتحاقد ، والعياذ باللّه ، إنّ هؤلاء لم يعرفوا حدود الأخوة الإيمانية ، ومستلزماتها.. ولم يعوا بعد ، أنّ اختلاف الرأي لا يفسد للحب قضية ، وأنّ لكلّ مجتهد أجرين ، إنْ أصاب أجر وإن أخطأ أجر ، وأنّ حياة الإيمان ، والوحدة الروحية بين المؤمنين أهمّ بكثير من الموقف الفلاني الذي يؤمن به أحدهما ، ويكفر به الآخر ، حتى ولو كان هذا الموقف صحيحاً .
وقد نلاحظ في حياتنا اليومية أيضاً بعض المسلمين الذين يتنافرون بسبب مصالح شخصية - قد تظهر بمظهر ديني - فيحقد أحدهما على الآخر بسبب أنّه أخطأ في حقّه ، أو نقده أو نصحه بأسلوبٍ حاد ، أو زاحمه على مركزه ، أو لم يتابعه في رأيه ، وغير ذلك من الأسباب.
إنّ المؤمن يتجاوز الخطيئة ، ويكظم الغيظ ، ويغفر زلاّت إخوانه ، ويتغاضى عن سيّئائهم .. أوَليس أخلاق المؤمن من أخلاق اللّه ؟ ومَن راجع النصوص الواردة عن أهل البيت ( عليه السلام ) في إخوة المؤمنين ، وحقوق الإخوة ، وجَد فيها ما يقصم الظهر ..
نذكر بعض هذه النصوص :
عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) :
[font=Andalus]( قال اللّه عزّ وجل : ليأذن بحربٍ مني مَن آذى عبدي المؤمن ) .[/font]
وعنه ( عليه السلام ) عن أبيه :
[font=Andalus] ( أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أنْ يواخي الرجل على الدين ، فيحصي عليه عثراته ، وزلاّته ليُعنّفه بها يوماً ما ) .[/font]
وعنه ( عليه السلام ) :
[font=Andalus]( مَن روى على أخيه المؤمن رواية يُريد بها شينه ، وهدم مروّءته ليسقط من أعين الناس ،
أخرجه اللّه تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان ) .[/font]
[font=Andalus]( وإذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء ) .[/font]
وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) :
([font=Andalus] أيما مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة ، وهو في منزله ، فاستأذن له ولم يخرج إليه لم يزل في لعنة اللّه حتى يلتقيا ) .[/font]
وأخيراً
عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) :
[font=Andalus]( إذا غاب المؤمن فأحفظه في غيبته ،
وإذا شهد فزره ، وأجلّه وأكرمه ، فإنّه منك ، وأنت منه ،
فإنْ كان عليك عاتباً ، فلا تفارقه حتى تسأل سميحته ،
وإنْ أصابه خير فاحمد اللّه ،
وإنْ ابتلي فاعضده ،
وإنْ تمَحَّل له فاعنه ،[/font]
[font=Andalus]وإذا قال الرجل لأخيه : أف ، انقطع ما بينهما من الولاية ،
وإذا قال : أنت عدوّي كفَر احدهما ،
فإذا اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء)[/font] (2) .
المشاركة الوجدانية
و هي ،
أنْ يكون المؤمنون في حالة من التعاطف والانسجام الوجداني ، وكأنّهم مشتركون في وجدانٍ واحد ،
ومِن هنا إذا تألّم واحد منهم تألّم الآخرون ، وإذا فرِح فرح له الآخرون ، وهكذا في الحزن والهمّ والسرور ..
وفي المشاركة الوجدانية لا يفقد الفرد المؤمن شخصيته الفردية ضمن المجموع المركّب من المؤمنين ، وإنّما يوسّع من دائرة روحه الاجتماعية .. وارتباطه النفسي بإخوته في اللّه تعالى ..
وقد قرأنا فيما سبَق بصدد المشاركة الوجدانية روايتين :
1 - عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام )
[font=Andalus]( إنّما المؤمنون بنو أبٍ وأم ، وإذا ضرب على رجلٍ منهم عِرق سهَرَ له الآخرون ) .[/font]
2 - وعنه ( عليه السلام )
[font=Andalus]( المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد ، إذا اشتكى شيئاً منه وجَد ألم ذلك في سائر جسده ، وأرواحهما من روحٍ واحدة ، وأنّ روح المؤمن لأشدّ اتصالاً بروح اللّه من اتصال شعاع الشمس بها )[/font] (3)[/align]_____________________________________
(1) - أُصول الكافي ج 2 ص 125 - 127
(2) - اصول الكافي ج 2 موارد متفرقة
(3) -راجع الروايتين في الأصول - ج 2 ص 165 - 166
__________________________________________
من كتاب :نظرات حول الإعداد الروحي : الفصل الثالث
المؤلف: سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي