قصة استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
فقال أحمد بن عبيدالله : ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، ولاسمعت به في هديه وسكونه ، وعفافه ، ونبله ، وكرمه ، عند أهل بيته ، والسلطان وجميع بني هاشم ، و تقديمهم إياه على ذوي السنّ منهم والخطر ، وكذلك القوّاد والوزراء والكتاب وعوام الناس . وإنّي كنت قائماً ذات يوم على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل عليه حجّابه فقالوا له : ابن الرضا على الباب فقال بصوت عال : ائذنوا له فدخل . رجل أسمر أعيّن حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، حدث السنّ ، له جلالة وهيبة . فلّما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطوات ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم ، ولا بالقوّاد ولا بأولياء العهد ، فلّما دنامنه عانقه وقبّل وجهه ، ومنكبيه ، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلمه ويكنيه، ويفديه بنفسه وأبويه ، وأنا متعجب ممّا أرى منه إذ دخل عليه الحجّاب فقالوا : الموفّق قد جاء . وكان الموفّق إذا جاء ودخل على أبي تقدم حجّابه وخاصة قوّاده ، فقاموا بين مجلس أبي وبين الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج ، فلم يزل أبي مقبلاً عليه يحدّثه حتى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ : إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمد ثمّ قال لغلمانه : خذوا به خلف السماطين لئلا يراه الأمير يعني الموفّق وقام أبي فعانقه وقبل وجهه ومضى . فقلت لحجّاب أبي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي فعل به أبي هذا الذي فعل ؟ فقالوا : هذا رجل من العلوية يقال له : الحسن بن على يعرف بابن الرضا، فازددت تعجباً فلم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت منه حتى كان الليل ، وكانت عادته أن يصليّ العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج من المؤامرتّ وما يرفعه إلى السلطان فلّما نظر وجلس جئت فجلست بين يديه فقال : يا أحمد ألك حاجة ؟ قلت : نعم يا أبه ، إن أذنت ، سألتك عنها ، فقال : قد أذنت لك يا بني فقل ما إحببت فقلت : يا أبه من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الإ جلال والإكرام و التبجيل ، وفديته بنفسك وأبويك ؟ فقال : يا بني ذلك ابن الرضا ، ذاك إمام الرافضة ، فسكتّ ساعة فقال : يا بني لوزالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا ، فإنّ هذا يستحقّها في فضله ، وعفافه وهديه وصيانة نفسه ، وزهده ، وعبادته ، وجميل أخلاقه ، وصلاحه ، ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيراً فاضلاً . فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي ممّا سمعت منه فيه ، ولم يكن لي همة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره ، والبحث عن أمره ، فما سألت عنه أحدامن نبي - هاشم والقواد والكتاب، والقضاة والفقهاء، وسائر الناس إلاّ وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام ، والمحلّ الرفيع ، والقول الجميل ، والتقديم له على أهل بيته ومشايخه وغيرهم ، وكلّ يقول : هو إمام الرافضة ، فعظم قدره عنديّ إذ لم أرله ولياً ولا عدواً إلاّ وهو يحسن القول فيه ، والثناء عليه . فقال له بعض أهل المجلس من الاشعريين : يا بابكر فماحال أخيه جعفر ؟ فقال : ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن به ؟ إنّ جعفراً معلن بالفسق ، ما جن شرّيب للخمور ، أقلّ من رأيت من الرجال ، وأهتكهم لستره بنفسه فدم خمار قليل في نفسه ، خفيف . والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه ، وما ظننت أنّه يكون . وذلك أنّه لمّا اعتلّ بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتلّ ، فركب من ساعته مبادراً إلى دار الخلافة ، ثمّ رجع مستجعلاً ومعه خمسة نفر من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته ، فمنهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن ابن علي وتعرّف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين فأمر هم بالإختلاف إليه ، وتعاهده في صباح ومساء . فلّما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنّه قد ضعف ، فركب حتى بكّر إليه ثمّ أمر المتطببين بلزومه ، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه ، وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأما نته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن، وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً . فلم يزالوا هناك حتى توفّي لأيام مضت من شهر ربيع الاول، من سنة ستين ومائتين، فصارت سرمن رأى ضجة واحدة ( مات ابن الرضا ) . وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها ، وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده ، وجاؤا بنساء يعرفن الحبل ، فدخلنّ على جواريه فنظر إليهنّ فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حبل ، فأمربها فجعلت في حجرة ووكّل بها نحريرالخادم وأصحابه ، ونسوة معهم ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته ، وعطلت الأسواق ، وركب أبي وبنوهاشم ، والقوّاد والكتاب وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة . فلّما فرغوا من تهيئته ، بعث السلطان إلى أبي عيسى ابن المتوكل ، فأمره بالصلاه عليه ، فلّما وضعت الجنازة للصلاة ، دنا أبوعيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء والمعدلين ، وقال : هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من خدم أميرالمؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان ، ومن القضاة فلان وفلان . ثمّ غطّى وجهه ، وقام فصلى عليه وكبر عليه خمساً وأمر بحمله ، وحمل من وسط داره ، ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه . فلّما دفن وتفرق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل ، والدور ، وتوقفوا عن قسمة ميراثه ، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليه الحبل ملازمين لها سنتين ، وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين أمّه وأخيه جعفر ، وادّعت أمّه وصيته وثبت ذلك عند القاضي ، والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده . فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي وقال له : أجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار ، فزبره أبى وأسمعه وقال له : يا أحمق إنّ السلطان أعزّه الله جرّد سيفه وسوطه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمة ليردّ هم عن ذلك ، فلم يقدر عليه ، ولم يتهيأله صرفهم عن هذا القول فيهما ، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة ، فلم يتهيأله ذلك ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك ممّن له منزلتهم فلا حاجة بك إلى سلطان يرتّبك مراتبهم ، ولا غير سلطان ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بها . واستقله عند ذلك ، واستضعفه ، وأمر أن يحجب عنه ، فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي ، وخرجنا والأمر على تلك الحال ، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي حتى اليوم .
فقال أحمد بن عبيدالله : ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، ولاسمعت به في هديه وسكونه ، وعفافه ، ونبله ، وكرمه ، عند أهل بيته ، والسلطان وجميع بني هاشم ، و تقديمهم إياه على ذوي السنّ منهم والخطر ، وكذلك القوّاد والوزراء والكتاب وعوام الناس . وإنّي كنت قائماً ذات يوم على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل عليه حجّابه فقالوا له : ابن الرضا على الباب فقال بصوت عال : ائذنوا له فدخل . رجل أسمر أعيّن حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، حدث السنّ ، له جلالة وهيبة . فلّما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطوات ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم ، ولا بالقوّاد ولا بأولياء العهد ، فلّما دنامنه عانقه وقبّل وجهه ، ومنكبيه ، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلمه ويكنيه، ويفديه بنفسه وأبويه ، وأنا متعجب ممّا أرى منه إذ دخل عليه الحجّاب فقالوا : الموفّق قد جاء . وكان الموفّق إذا جاء ودخل على أبي تقدم حجّابه وخاصة قوّاده ، فقاموا بين مجلس أبي وبين الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج ، فلم يزل أبي مقبلاً عليه يحدّثه حتى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ : إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمد ثمّ قال لغلمانه : خذوا به خلف السماطين لئلا يراه الأمير يعني الموفّق وقام أبي فعانقه وقبل وجهه ومضى . فقلت لحجّاب أبي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي فعل به أبي هذا الذي فعل ؟ فقالوا : هذا رجل من العلوية يقال له : الحسن بن على يعرف بابن الرضا، فازددت تعجباً فلم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت منه حتى كان الليل ، وكانت عادته أن يصليّ العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج من المؤامرتّ وما يرفعه إلى السلطان فلّما نظر وجلس جئت فجلست بين يديه فقال : يا أحمد ألك حاجة ؟ قلت : نعم يا أبه ، إن أذنت ، سألتك عنها ، فقال : قد أذنت لك يا بني فقل ما إحببت فقلت : يا أبه من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الإ جلال والإكرام و التبجيل ، وفديته بنفسك وأبويك ؟ فقال : يا بني ذلك ابن الرضا ، ذاك إمام الرافضة ، فسكتّ ساعة فقال : يا بني لوزالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا ، فإنّ هذا يستحقّها في فضله ، وعفافه وهديه وصيانة نفسه ، وزهده ، وعبادته ، وجميل أخلاقه ، وصلاحه ، ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيراً فاضلاً . فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي ممّا سمعت منه فيه ، ولم يكن لي همة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره ، والبحث عن أمره ، فما سألت عنه أحدامن نبي - هاشم والقواد والكتاب، والقضاة والفقهاء، وسائر الناس إلاّ وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام ، والمحلّ الرفيع ، والقول الجميل ، والتقديم له على أهل بيته ومشايخه وغيرهم ، وكلّ يقول : هو إمام الرافضة ، فعظم قدره عنديّ إذ لم أرله ولياً ولا عدواً إلاّ وهو يحسن القول فيه ، والثناء عليه . فقال له بعض أهل المجلس من الاشعريين : يا بابكر فماحال أخيه جعفر ؟ فقال : ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن به ؟ إنّ جعفراً معلن بالفسق ، ما جن شرّيب للخمور ، أقلّ من رأيت من الرجال ، وأهتكهم لستره بنفسه فدم خمار قليل في نفسه ، خفيف . والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه ، وما ظننت أنّه يكون . وذلك أنّه لمّا اعتلّ بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتلّ ، فركب من ساعته مبادراً إلى دار الخلافة ، ثمّ رجع مستجعلاً ومعه خمسة نفر من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته ، فمنهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن ابن علي وتعرّف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين فأمر هم بالإختلاف إليه ، وتعاهده في صباح ومساء . فلّما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنّه قد ضعف ، فركب حتى بكّر إليه ثمّ أمر المتطببين بلزومه ، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه ، وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأما نته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن، وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً . فلم يزالوا هناك حتى توفّي لأيام مضت من شهر ربيع الاول، من سنة ستين ومائتين، فصارت سرمن رأى ضجة واحدة ( مات ابن الرضا ) . وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها ، وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده ، وجاؤا بنساء يعرفن الحبل ، فدخلنّ على جواريه فنظر إليهنّ فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حبل ، فأمربها فجعلت في حجرة ووكّل بها نحريرالخادم وأصحابه ، ونسوة معهم ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته ، وعطلت الأسواق ، وركب أبي وبنوهاشم ، والقوّاد والكتاب وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة . فلّما فرغوا من تهيئته ، بعث السلطان إلى أبي عيسى ابن المتوكل ، فأمره بالصلاه عليه ، فلّما وضعت الجنازة للصلاة ، دنا أبوعيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء والمعدلين ، وقال : هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من خدم أميرالمؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان ، ومن القضاة فلان وفلان . ثمّ غطّى وجهه ، وقام فصلى عليه وكبر عليه خمساً وأمر بحمله ، وحمل من وسط داره ، ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه . فلّما دفن وتفرق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل ، والدور ، وتوقفوا عن قسمة ميراثه ، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليه الحبل ملازمين لها سنتين ، وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين أمّه وأخيه جعفر ، وادّعت أمّه وصيته وثبت ذلك عند القاضي ، والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده . فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي وقال له : أجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار ، فزبره أبى وأسمعه وقال له : يا أحمق إنّ السلطان أعزّه الله جرّد سيفه وسوطه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمة ليردّ هم عن ذلك ، فلم يقدر عليه ، ولم يتهيأله صرفهم عن هذا القول فيهما ، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة ، فلم يتهيأله ذلك ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك ممّن له منزلتهم فلا حاجة بك إلى سلطان يرتّبك مراتبهم ، ولا غير سلطان ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بها . واستقله عند ذلك ، واستضعفه ، وأمر أن يحجب عنه ، فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي ، وخرجنا والأمر على تلك الحال ، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي حتى اليوم .