اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و من خطبة له عليه السّلام :
يحمد اللّه تعالى فيها ثمّ يبيّن الصّفات الإنسانيّة و اضدادها خطبها فى المدينة المنوّرة اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذى مَنَعَ الْاَوْهامَ اَنْ تَنالَ وُجُودَهُ ، وَ حَجَبَ الْعُقُولَ اَنْ تَتَخَيَّلَ ذاتَهُ ، لاِمْتِناعِها مِنَ الشَّبْهِ وَ الْمُشاكِلِ ، وَ النَّظيرِ وَ الْمُماثِلِ هُوَ الَّذى لا يَتَفاوَتُ فى ذاتِهِ ، وَ لا يَتَبَعَّضُ بِتَجْزِئَةِ الْعَدَدِ فى كَمالِهِ ،
فارَقَ الْاَشْيآءَ لا بِاخْتلافِ الْاَماكِنِ ، وَ تَمَكَّنَ مِنْها لا عَلى جَهَةِ الْحُلُولِ وَ الْمُمازَجَةِ ، وَ عَلِمَها لا بِاِرادَةٍ ، اِنْ قيلَ : كانَ ، فَعَلى تَاْويلِ اَزَلِيَّةِ الْوُجُودِ ، وَ اِنْ قيلَ : لَمْ يَزَلْ ، فَعَلى تَاْويلِ نَفْىِ الْعَدَمِ .
نَحْمَدُهُ بِالْحَمْدِ الَّذىِ ارْتَضاهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَ اَوْجَبَ قَبُولَه عَلى نَفْسِهِ
وَ اَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَ اَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، شَهادَتانِ تُرْفِعانِ الْقَوْلَ ، وَ تُضاعِفانِ الْعَمَلَ ، خَفَّ ميزانٌ تُرْفَعانِ مِنْهُ ، وَ ثَقُلَ ميزانٌ تُوضَعانِ فيهِ ، بِهِمَا الْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ ، وَ النَّجاةُ مِنَ النَّارِ ، وَ الْجَوازُ عَلَى الصِّراطِ .
اَيُّهَا النَّاسُ لا شَرَفَ اَعْلى مِنَ الْاِسْلامِ ، وَ لا كَرَمَ اَعَزُّ مِنَ التَّقْوى وَ لا مَعْقِلَ اَحْرَزُ مِنَ الْوَرَعِ ، وَ لا شَفيعَ اَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ ، وَ لا لِباسَ اَجْمَلُ مِنَ الْعافِيَةِ ، وَ لا وِقايَةَ اَمْنَعُ مِنَ السَّلامَةِ ، وَ لا مالَ اَذْهَبُ بِالْفاقَةِ مِنَ الرِّضا وَ الْقِناعَةِ ، وَ مَنِ اقْتَصَرَ عَلى بُلْغَةِ الْكَفافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ ، وَ تَبَوَّأَ خَفْضَ الدِّعَةِ ، اَلا وَ اِنَّ الرَّغْبَةَ مِفْتاحُ التَّعَبِ ، وَ الاحْتِكارَ مَطِيَّةُ النَّصَبِ ، وَ الْحَسَدَ افَةُ الدّينِ ، وَ الْحِرْصَ داعٍ لِلتَّقَحُّمِ فىِ الذُّنُوبِ وَ الشَّرَةَ جامِعٌ لِمَساوِى الْعُيُوبِ ، وَ رُبَّ طَمَعٍ خآئِبٌ ، وَ اَمَلٍ كاذِبٌ ، وَ رَجآءٍ يُؤَدّى اِلىَ الْحِرْمانِ ، وَ تِجارَةٍ تَؤُولُ اِلَى الْخُسْرانِ ، وَ مَنْ تَوَرَّطَ فىِ الْأُمُورِ غَيْرَ ناظِرٍ فىِ الْعَواقِبِ ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمفْظِعاتِ النَّوآئِبِ .
اَيُّهَا النَّاسُ لا كَنْزَ اَنْفَعُ مِنَ الْعِلْمِ ، وَ لا عِزَّ اَرْفَعُ مِنَ الْحِلْمِ ، وَ لا حَسَبَ اَبْلَغُ مِنَ الْأَدَبِ ، وَ لا نَسَبَ اَوْضَعُ مِنَ الْغَضَبِ ، وَ لا جَمالَ اَجْمَلُ مِنَ الْعَقْلِ وَ لا قَرينَ شَرٌّ مِنَ الْجَهْلِ ، وَ لا سَوْأَةَ اَسْوَأُ مِنَ الْكِذْبِ ، وَ لا حافِظَ اَحْفَظُ مِنَ الصَّمْتِ ، وَ لا غآئِبَ اَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ ، لا يَنْجُو مِنْه غَنِىٌّ بِمالِهِ ، وَ لا فَقيرٌ بِاِقْلالِهِ .
اَيُّهَا النَّاسُ مَنْ نَظَرَ فى عَيْبِ نَفْسِهِ شُغِلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ ، وَ مَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْىِ قُتِلَ بِهِ ، وَ مَنْ حَفِرَ بِئْراً وَقَعَ فيها ، وَ مَنْ هَتَكَ حِجابَ غَيْرِهِ انْكَشَفَتْ عَوْراتُ بَيْتِهِ ، وَ مَنْ نَسِىَ زَلَلَهُ اسْتَعْظَمَ زَلَلَ غَيْرِهِ ، وَ مَنْ اُعْجِبَ بِرَأْيِهِ ضَلَّ ، اَوَ مَنِ اسْتَغْنى بِعَقْلِهِ زَلَّ ، وَ مَنْ تَكَبَّرَ عَلىَ النَّاسِ ذَلَّ ، وَ مَنْ خالَطَ الْعُلَمآءَ وُقِّرَ ، وَ مَنْ خالَطَ الْاَنْذالَ حُقِّرَ ، وَ مَنْ حَمَّل نَفْسَهُ ما لا يُطيقُ عَجَزَ ، وَ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ لِسانَهُ يَنْدَمُ ، وَ مَنْ لا يَتَحَلَّمْ لا يَحْلَمْ .
اَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ قَلَّ ذَلَّ ، وَ مَنْ جادَ سادَ ، وَ مَنْ كَثُرَ مالُهُ رَؤُسَ وَ مَنْ كَثُرَ حِلْمُهُ نَبُلَ ، وَ مَنْ فَكَّرَ فى ذاتِ اللَّهِ تَزَنْدَقَ ، وَ مَنْ كَثُرَ مِزاحُهُ اسْتُخِفَّ بِهِ ، وَ مَنْ كَثُرَ ضِحْكُهُ ذَهَبَتْ هَيْبَتُهُ ، وَ اَفْضَلُ الْفَعالِ صِيانَةُ الْعِرْضِ بِالْمالِ ، وَ فىِ التَّجارُبِ عِلْمٌ مُسْتَاْنِفٌ ، وَ الاعْتِبارُ يَقودُ الرَّشادَ ،
وَ فى تَقَلُّبِ الْاَحْوالِ عِلْمُ جَواهِرِ الرِّجالِ ، وَ الْأَيَّامُ تُوضِحُ السَّرآئِرَ الْكامِنَةَ ،
وَ كَفاكَ اَدَباً لِنَفْسِكَ ما تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَ ، وَ مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْأرآءِ عَرَفَ مَواقِعَ الْخَطآءِ ، وَ التَّدبيرُ قَبْلَ الْعَمَلِ يُؤَمِّنُكَ مِنَ النَّدَمِ ، وَ اَشْرَفُ الْغِنى تَرْكُ الْمِنى ، وَ الصَّبْرُ جُنَّةٌ مِنَ الْفاقَةِ ، وَ الْحِرْصُ عَلامَةُ الْفَقْرِ ، وَ الْبُخْلُ جُلْبابُ الْمَسْكَنَةِ ، وَ الْمَوَدَّةُ قَرابَةٌ مُسْتَفادَةٌ ، وَ وُصُولُ مُعْدِمٍ خَيْرٌ مِنْ جافٍ مُكْثِرٍ ، وَ عَلَيْكَ لِأَخيكَ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ الَّذى لَكَ عَلَيْهِ ، وَ مَنْ ضاقَ خُلْقُهُ مَلَّهُ اَهْلُهُ ، وَ فى سَعَةِ الْاَخْلاقِ كُنُوزُ الْاَرْزاقِ ، وَ مَنْ
عَرَفَ الْأِمامَ لَمْ يَغْفَلْ عَنِ الْأِسْتِعْدادِ ، وَ لا تُنالُ نِعْمَةٌ اِلاَّ بزَوالِ اُخْرى وَ لِكُلِّ ذى رَمَقٍ قُوتٌ ، وَ لِكُلِّ حَبَّةٍ اكِلٌ ، وَ اَنْتَ قُوتُ الْمَوْتِ .
اَيُّهَا النَّاسُ كُفْرُ النِّعْمَةِ لُؤْمٌ ، وَ صُحْبَةُ الجاهِلِ شُؤْمٌ ، وَ اِنَّ مِنَ الْكَرَمِ لِينَ الْكَلامِ ، وَ اِيَّاكَ وَ الْخَديعَةَ فَاِنَّها مِنْ خُلْقِ اللِّئامِ ، لَيْسَ كُلُّ طالِبٍ يُصيبُ ، وَ لا كُلُّ غآئِبٍ يَؤُوبُ ، وَ رُبَّ بَعيدٍ هُوَ اَقْرَبُ مِنْ قَريبٍ ، سَلْ عَنِ الرَّفيقِ قَبْلَ الطَّريقِ ، وَ عَنِ الْجارِ قَبْلَ الدَّار ، وَ اسْتُرْ عَوْرَةَ اَخيكَ لِما يَعْلَمُهُ فيكَ ، وَ اغْتَفِرْ زَلَّةَ صَديقِكَ لِيَوْمٍ يَرْكَبُكَ فيهِ عَدُوُّكَ ، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهيمَةِ ، وَ ما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ ، وَ لا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ [ 1 ] ، وَ كُلُّ نَعيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ مُحْتَقَرٌ ، وَ كُلُّ بَلاءٍ دُونَ النَّارِ عافِيَةٌ ، وَ عِنْدَ تَصْحيحِ الضَّمآئِرِ تَبْدُو الْكَبآئِرُ ، وَ تَصْفِيَةُ الْعَمَلِ اَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ ، وَ تَخْليصُ النِّيَّةِ مِنَ الْفَسادِ اَشَدُّ عَلىَ الْعامِلينَ مِنْ طُولِ الْجِهادِ ، هَيْهاتَ لَوْلاَ التُّقى لَكُنْتُ اَدْهَى الْعَرَبِ .
و منها :
عَلَيْكُمْ بِتَقْوىَ اللَّهِ فىِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ، وَ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ فىِ الرِّضا وَ الْغَضَبِ ، وَ بِالْقَصْدِ فىِ الْغِنى وَ الْفَقْرِ ، وَ بِالْعَدْلِ عَلىَ الصَّديقِ وَ الْعَدُوِّ ، وَ بالْعَمَلِ فِى النَّشاطِ وَ الْكَسَلِ ، وَ بالرِّضا فىِ الشِّدَّةِ وَ الرَّخآءِ ،
( 1 ) اراد الامام عليه السّلام : انّ كلّ فعل او قول حسن يؤدّى الى الجنّة و يحسبه النّاس فى حينه شرّا يجب ان لا يعدّ شرّا ، و كذلك الخير الّذى يؤدّى الى النّار يجب ان لا يعدّ خيرا ، كما فى مستدرك النهج .
وَ مَنْ تَرَكَ الشَّهَواتِ كانَ حُرّاً ، وَ مَنْ اَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ رَضِىَ بِالْيَسيرِ وَ اِنَّ الْغَفْلَةَ ظُلْمَةٌ ، وَ الْجَهالَةَ ضَلالَةٌ ، وَ السَّعيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَ الْاَدَبُ خَيْرُ ميراثٍ ، وَ حُسْنُ الْخُلْقِ خَيْرُ قَرينٍ ، وَ الْعِفافُ زينَةُ الْفَقْرِ ، وَ الشُّكْرُ زينَةُ الغِنى ، وَ الصَّبْرُ مِنْ كُنُوزِ الْإيمانِ ، وَ الطُّمَأْنينَةُ قَبْلَ الْخِبْرَةِ ضِدُّ الْحَزْمِ ، وَ اِعْجابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ دَليلٌ عَلى ضَعْفِ عَقْلِهِ ، وَ بِئْسَ الزَّادُ اِلىَ الْمَعادِ الْعُدْوانُ عَلىَ الْعِبادِ ، طُوبى لِمَنْ اَخْلَصَ لِلَّهِ عِلْمَهُ وَ عَمَلَهُ ، وَ اَخْذَهُ وَ تَرْكَهُ ، وَ كَلامَهُ وَ صَمْتَهُ ، وَ قَوْلَهُ وَ فِعْلَهُ ، وَ لا يَكُونُ الْمُسْلِمُ مُسْلِماً حَتّى يَكُونَ وَرِعاً ، وَ لَنْ يَكُونَ وَرِعاً حَتّى يَكُونَ زاهِدًا ، وَ لَنْ يَكُونَ زاهِدًا حَتّى يَكُونَ حازِمًا ، وَ لَنْ يَكُونَ حازِمًا حَتّى يَكُونَ عاقِلاً ، وَ مَا الْعاقِلُ اِلاَّ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ ، وَ عَمِلَ لِلدَّارِ الاخِرَةِ .