
[align=center]فعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خمسة لا يستجاب لهم : رجل جعل الله بيده طلاق امرأته فهي تؤذيه وعنده ما يعطيها ولم يخلّ سبيلها ، ورجل أبَق مملوكه ثلاث مرّات ولم يبعه ، ورجل مرّ بحائط مائل وهو يُقبل إليه ولم يُسرع المشي حتى سقط عليه ، ورجل أقرض رجلاً مالاً فلم يُشهد عليه ، ورجل جلس في بيته وقال : اللهم ارزقني ولم يطلب [7].
فالنبيّ صلّى الله عليه و آله يشير إلى خمسة أصناف من الناس لا يستجاب دعاؤهم:
الأوّل: رجل عنده امرأة سيّئة العمل ، يمكنه أن يطلّقها أو أن يصلحها و لا يفعل ، و مع ذلك يدعو دائماً أن يا إلهي أصلحها!
الثاني: رجل يمتلك عبداً يفرّ ويهرب ، فلا يبيعه ، و يقول: إلهي أصلحه!
الثالث: رجل يمرّ تحت جدار يريد أن ينقضّ و يجلس تحته و يقول :إلهي لا تسقطه فوق رأسي! حسناً ! انهض على الفور و اجلس في مكان آخر ، أو لا تمرّ من تحته!
الرابع: رجل يُقرض و لا يُشهد، و المقترض يتساهل و يماطل ، فيقوم المقرض بالدعاء ويقول: اللهم ردّ لي دَيني! حسناً لمَ لم تُشهد شاهداً؟ لمَ لم تكتب؟ ألم يقل القرآن: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمّى فاكتبوه} ؟ عندما تعطي قرضاً خذ إيصالاً ، وائت بشاهد! اكتب! اطلب توقيعاً..!
الخامس: رجل يجلس في بيته و يقفل الباب على نفسه و يقول: إلهي هبني رزقي!
و بالطبع فقد ذكر الإمام هذه الخمسة من باب المثال وللأمر مصاديق كثيرة . و الخلاصة أنّ العالم عالم الحركة ، و عالم العمل ، و عالم الكون و الفساد ، و على الإنسان أن يسعى وراء مقاصده عن طريق الحركة والعمل ، و يطلب من الله أن يقدّر الخير و البركة في هذا العمل.
و قال أمير المؤمنين عليه السلام ضمن خطبة له.
أستعيذ بالله من سبع :
الأول: العالم الذي يزلّ، و هذا يجب أن يستعاذ بالله منه، لأنّ معنى العلم تثبيت العالم على العمل، و العالم الذي لديه علم و مع ذلك تزلّ قدمه...! هذا يكشف عن الكثير من المطالب!
و الإمام يقول: أنا أستعيذ بالله.
الثاني: العابد الذي يملّ من العبادة ، هذا أيضاً يجب الاستعاذة بالله منه ، لأن العبادة مناجاة مع الله و تحاور معه، و للعبادة لذّة ، فلا معنى للإكراه والتعب في العبادة ، فمن يعبد حتى يصل إلى حدّ التعب فليست عبادته عبادة، هذه ألعوبة الشيطان! و واقعاً يجب على الإنسان أن يستعيذ بالله منه!
الثالث: المؤمن الذي يحتاج!! المؤمن يعني المؤمن بالله! مؤمن بالله و محتاج؟! ما معنى الاحتياج إلى غير الله في عين حال الإيمان بالله؟!
الرابع: الأمين الذي يخون ، على الإنسان أن يستعيذ بالله منه.
الخامس: الغنيّ الذي يفتقر.
السادس: العزيز الذي يذلّ.
السابع: الفقير الذي يشقى ويشرّد.
عندها قام رجل و قال: يا أمير المؤمنين ما لنا مهما دعونا لا يستجاب لنا؟ ألم يعدنا الله أن ادعوني استجب لكم؟!
قال أمير المؤمنين: كيف لا يستجاب لكم؟! و لكن هناك موارد ثمانية لا توافق ألسنتُكم فيها قلوبَكم:
أولاً: تقولون: نحن نؤمن بالله، و لكن لا تعملون بما يوافق الإيمان بالله.
ثانياً: تقولون: نحن مؤمنون بالنبيّ صلى الله عليه وآله، وهو رسول الله.. قوله قول الله، و لا تسيرون وفق سنته، و لا تعملون بما يطابق أمره.
ثالثاً: تقولون: القرآن كتابنا و دستور أعمالنا...، و لكن لا تعتنون بالقرآن ، و لا تعملون بالقرآن...
رابعاً: تقولون: نحن نحبّ الجنّة، و لكن تعملون ما يبعدكم عن الجنّة، إذن أين حبّكم للجنّة؟!
خامساً: تقولون: نحن خائفون من النار، و تعملون أعمالاً تقرّبكم من النار، أين خوفكم من النار؟!
سادساً: تقولون: نحن نلعن الشيطان و إنّا منه متنفرون و منزجرون، و دائماً تقومون بأعمال تفتح باب الصداقة و الأخوّة معه.
سابعاً: تخفون عيوبكم و تظهرون عيوب الناس
ثامناً: لا تفون بالعهد و مع ذلك تتوقّعون من العليّ الأعلى أن يفي بعهدكم .
لهذه الأسباب الثماني أنتم خائنون! فالحال التي أنتم عليها عندما تدعون تغاير واقع قلوبكم.
تقولون: اللهم أصلحنا، في النهاية الإصلاح مترتّب على بعض الأمور، في نفس الوقت الذي تقولون فيه: اللهم أصلحنا! لستم راضين أن يكون هناك قبل الإصلاح عمل ما، و تقولون لن يكون عمل. إذن اللفظ يحكي أن اللهم أصلحنا! و القلب يقول لا تصلح! ليس في هذا موافقة اللسان للقلب.
تقولون: اللهمّ: أدخلنا الجنّة! الدخول إلى الجنّة يستلزم العمل الصالح، يستلزم الصدق، يستلزم المجاهدة، يستلزم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، امتلاك الحسّ الدينيّ، الغيرة الدينيّة. تقولون نحن لا نريد هذه و مع ذلك تقولون اجعلنا من أهل الجنة!هذا غير ممكن!
نحن فارّون من جهنّم و لكن نريد أن نكون فارّين بنفس هذه الخصائص التي نمتلكها بدون أن يحصل تغيير في روحيّتنا، و في المقابل يقول الله:
{ذلك بأنّ الله لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}.
و المعنى أنّ السنّة الإلهيّة هي أنّ لا يغيّر الله العالم المحيط بالإنسان إلا إذا تغيّرت صفاته، فإذا صلح الناس يصلح العالم من حولهم، و تكثر النعم...و إذا ساءوا تتبدّل الأحوال، و تحلّ النقم مكان النعم.
من هنا كان على الإنسان أن يدعو و يطلب, وعليه أن يهيّئ نفسه، بأن يوجد فيها مادّة ظهور الصلاح، و كلّ ما هو مقدّمة و معدّاً للصلاح، ويمهّد لاستجابة الدعاء ، حينها سيكون الدعاء مستجاباً؛ فإذا طهر القلب ، و صار حال الإنسان مع ربّه حال الملتجئ ثمّ طلب منه ، فالله يستجيب و يقضي، و هذا معنى الاضطرار {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء} حال الاضطرار يعني حال الانقطاع، فالمؤمن يرى أنّ الله هو المؤثّر في كلّ حال ويكون منقطعاً إلى الله ، لذا كلّ دعائه مستجاب ، فالمستجاب دعاؤهم هم الذين يتمتعون بهذا الحال ، أما غير المضطرين فلسانهم يدعو و قلبهم يتراجع و يتأخّر ، و لذا دعاؤهم ليس أكثر من لقلقة لسان و مهما يدعون فلا يصلون إلى نتيجة؛ لأنّه ليس هناك دعاء في الحقيقة.
أما إذا جاء الإنسان إلى الله جاداً و قال: إلهي أنا أريد ، ثمّ يقول له الله: لا يمكن ! دعاؤك غير مستجاب!؟ فيقول حينها: لا بأس دعائي غير مستجاب، فإلى من أذهب؟ هل هناك إله آخر؟!
ليهيئ لنا الله إلهاً آخر ...! و ليوكل إليه أمورنا! حينئذ نذهب إليه، نحن ليس لدينا إله آخر! الإله هو الله ولا إله إلا الله ؛ فيجب أن نأتي إليه.
إن قيل للإنسان: أنت لا قابليّة لديك كي يستجاب دعاؤك، فيجب أن يكون جوابه: هؤلاء الذين يتمتّعون بالقابليّة من أين جاؤوا بها؟! الله هو الذي أعطاهم، إذن الله يمكنه أن يعطينا أيضاً!.
إنْ قيل: لقد عصيتَ إلى حدّ بلغت معاصيك مرحلة غير قابلة للمغفرة، عليه أن يجيب : لمَ لا تقبل المغفرة؟ الذنب أكبر أم مغفرة الله لهذه الذنوب التي نقوم بها؟!
و النتيجة: يجب أن يجد الإنسان في مقابل كلّ وسوسة من وساوس الشيطان جواباً ، لأنّ الإنسان مخلوق الله و هو متعلّق بالله ، و قيّمه هو الله ، و كل هذه الأثقال يضعها العبد بين يدي الله ، و هو نفسه وعد أن يستجيب الدعاء.
و لكن إذا ما حاولوا إعاقة الإنسان ، فعليه أن لا يتراجع.. ها! إذا طُرد وأبعد عن هذا الباب فهناك باب آخر ، وإن طرد عن هذا أيضاً عليه أن يأتي باباً ثالثاً ، إن رُفض، يذهب إلى صاحب الدار! لأنّ صاحب الدار شخص واحد لا أكثر ، ليس لدينا صاحبان للدار كما أنه ليس هناك سوى دار واحد.[/align][align=center]منقول/ الدعاء واحياء ليلة القدر " للسيد محمد الحسن الحسيني الطهراني قدس سره"[/align]