شرح فقرة: "مع علمي بان لك السلطان والقدرة..."
تتمة شرح الدعاء المبارك يقول الدعاء (مع علمي بان لك السلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشية والحول والقوة ...).
ان هذا الاستثناء أي بان الله تعالى له السلطان وله القدرة وله البرهان وله الحجة وله المشية وله الحول وله القوة، هذا الاستثناء ينبغي ان نوضح جانباً من دلالته فنقول: الدعاء يتوسل بالله تعالى بان يجعلنا حاضرين متأهبين عند عملية الظهور واضطلاع الامام(ع) بمهمته الاصلاحية للمجتمعات ... ونذكرك بان الدعاء نفسه قد منع قارئ الدعاء من ان يبحث عن زمن الظهور من حيث التحديد له ولكنه لا يمانع من التوسل بالله تعالى من حيث الاراءة للظهور نفسه، حيث قلنا في لقاءات سابقة بان هدف التوسل باراءة الظهور انما هو من اجل مشاركة قارئ الدعاء في معركة الامام(ع) حيال الباطل.
والآن مع معرفتنا بهذه الحقائق نجد ان الدعاء وهو يتوسل بالله تعالى بان يرينا ولي الامر نافذ الفاعلية نجده يقرر ذلك ويقر في الآن نفسه ان الامر موكول بيد الله تعالى لا بايدينا ... ولكن السؤال الأهم من ذلك هو ملاحظة ان الدعاء عندما او كل اراءة حدوث الظهور لقارئ الدعاء اوكل ذلك الى الله تعالى، انما قدم لنا مجموعة سمات تتصل بهذا المعنى حيث قال ان لله تعالى السلطان القدرة البرهان الحجة المشية الحول القوة...
هنا نحسب بان قارئ الدعاء لابد وان يكون حريصاً على معرفة ما تعنيه هذه العبارات بخاصة ان البعض منها يبدو وكأنه ترادف مثل القوة والقدرة ومثل البرهان والحجة ...، وهذا ما يقتادنا الى ضرورة توضيح ذلك ما دام قارئ الدعاء يفرض عليه ان يعي ما يقرأ والا لا فائدة من قراءة الادعية اذن لنتحدث ونقف اولاً عند هذه المصطلحات الثلاثة التي تبدو متماثلة في دلالتها وهي القوة القدرة الحول... فما هي الفوارق ينهما؟
من الواضح ان القوة هي الطاقة على ممارسة فعل من الافعال كما لو كنت تمتلك قوة على تحمل ما هو ثقيل من الاشياء، واما القدرة فهي الاستطاعة أي مرحلة ما بعد القوة فما دمت تمتلك طاقة او قوة على ما هو ثقيل من الاشياء فهذا يعني انك تمتلك قدرة او استطاعة على ممارسة تلك القوة فتكون القدرة مترتة على القوة كما هو واضح.
وهذا من حيث الفارق بين القوة والقدرة ... ولكن ما الفارق بين الحول وبين القوة؟
المصادر اللغوية تشير الى ان معناهما متماثل أي انهما مترادفان الا ان هذا الرأي خطأ لاننا طالما كررنا بان النصوص الشرعية من المستحيل ان تستخدم الترادف في سياق واحد، فهل معنى (لا حول ولا قوة الا بالله) بمعنى واحد أي يكون المعنى هو "لا قوة ولا قوة الا بالله"؟ ... لذلك فان مصطلح الحول لابد ان يختلف عن القوة وهذا ما اشار اليه بعض اللغويين من ان الحول معناه الحركة أي فاعلية الشيء وحينئذ يكون الفارق بين الحول وبمعنى الحركة وبين القدرة هو ان الحركة هي الفاعلية والقدرة هي التمكن ومن ثم تكون النتيجة المترتبة على ما لاحظناه هو ان قارئ الدعاء يستخلص ما يأتي انني اتوسل بك يا الله بان ترينا حادثة ظهور الامام(ع) لنشارك في المهمة الاصلاحية للامام(ع) مع علمنا بان لك القوة والقدرة والحول في تحقيق ذلك انَّى شئت وان تريه لمن شئت ولكننا نتوسل بك على الرغم من ذلك بان تحقق لنا طموحنا المشار اليه.
اذن التمكن بمعنى الطاقة والتمكن بمعنى التحرك للتنفيذ والتمكن بمعنى الاستطاعة على التنفيذ هي ما تعنيه العبارات المتقدمة
اما الآن فنحدثك عن المصطلحات الاخرى التي وردت في المقطع المتقدم ومنها عبارة السلطات فماذا تعني هذه العبارة؟
السلطان تعني التحكم في الشيء أي التسلط عليه او الهيمنة .. طبيعتاً قد تسأل فتقول اذن ما الفارق بين هذه العبارة وبين ما لاحظناه من العبارات التي تتحدث عن القدرة والقوة والحول؟
الاجابة عن السؤال المتقدم تتضح تماماً اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان السلطان هو اعم من القدرة والقوة والحول من حيث الهيمنة على الشيء ولذلك فان المقطع الذي يقر بأن لله تعالى السلطان وسائر مظاهر التمكن من قوة وقدرة او كلية ثم يقدم عبارات تجسد مظاهر متنوعة ففي التجربة البشرية مثلاً نجد ان السلطان هو المتحكم في المملكة من حيث تسلمه لمقاليد الحكم، واما المقاليد فمتنوعة كالسلطة التنفيذية والقضائية ... وفي ميدان سلطنة الله تعالى فان الموقف يتحدد في انه تعالى لا تنفصل صفاته عن بعضها الآخر، بل ان كل صفة هي عين الصفة الاخرى ولكنها جميعاً تتنوع تبعاً لما يتطلبه موقف او آخر فمثلاً نجد ان الله تعالى في سورة الناس يصف ذاته المقدسة بانه "رب" ويصفها بانه "ملك" ويصفها بانه "الله" فيقول "قل اعوذ برب الناس / ملك الناس / اله الناس.." مع ان الصفات الثلاث "رب، ملك، اله" تصب في ذاته المقدسة التي تعني سلطته في المجالات جميعاً من حيث المعبودية والتدبير والحكم.
يبقى ان نشير الى سمة او ظاهرة ترتبط بدورها مع الظواهر السابقة ونعني بها المشية او المشيئة حيث لاحظنا المقطع بانه يقرر بان لله تعالى القدرة والقوة والحول والسلطنة والمشية في جعلنا نحن قراء الدعاء المذكور موفقين في ادراك ظهور الامام(ع) ... وحينئذ من حق قارئ الدعاء ان يحرص على معرفة السمة الاخيرة المرتبطة بمظاهر "التحكم" في الموقف وهي المشيئة ...
وفي هذا السياق نعتقد ان قارئ الدعاء بمقدوره ان يحدد بشيء من الوضوح دلالة ما تعنيه كلمة المشيئة من معنى، وهو ان هذه الكلمة ترتبط بمفهوم الاشارة أي اذا شاء الله تعالى ان يرينا ولي الامر ظاهراً نافذ الامر فله ذلك وهذا يعني في التجربة البشرية مثلاً ان من يمتلك طاقة على الشيء ويمتلك وسيلة لتحقيق الشيء ويمتلك سائر ما يمكنه من تحقيق الشيء فان اشاءته أي انتخابه لزمان ومكان التحقيق يسمح لذلك الشيء بان يتحقق والامر كذلك اذا نقلنا هذا المعنى البشري الى المساحة القدسية لله تعالى حيث ان تحقيق ما توسلنا بالله تعالى من اجل توفره، أي التوفيق لادراك الظهور والاسهام في المعركة مع الامام(ع) انما يتوقف على اشاءته بتحقيق ذلك بصفة ان ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن.
اخيراً تبقى سمتان هما البرهان والحجة حيث ان المقطع ربط قضايا القوة والقدرة والحول والمشيئة والسلطان بقضيتين البرهان والحجة ايضاً فجعلهما في مقطع واحد ليدلل بها على ان التوفيق لادراك ظهور الامام(ع) متوقف على الظواهر المذكورة وهو امر نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى بن يوفقنا لادراك ما نتطلع اليه وهو ظهور الامام(ع) والاسهام في معركته الاصلاحية او التوفيق لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
بقلم الدكتور محمود البستاني
تم دمج شرح المقطع {17-18} من قبلنا
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين